Followers

Thursday, March 12, 2009

وعكة عاطفية ....

عندما نصاب بوعكة صحية تكون الأعراض واضحة لنا ولغيرنا ... وتتفاوت في حدتها حسب نوع المرض ما بين الوهن والحمى ... الإعياء والاقياء ... الرعشة والسكون ... التعرق والخمول ...الوعكة العاطفية لها نفس الأعراض .. ويكمن الفرق بينها وبين الوعكة الصحية إن أعراضها تتعمق وتفتك بالدواخل ... أكثر بكثير من تأثيرها الخارجي ...الوعكة العاطفية تصيبنا بوهن الروح وحمى الخيال ... تملأنا بإعياء الشك واقياء الغيرة ... تصيبنا برعدة الشوق وخوف الفراغ ... تجعلنا نتعرق المأ من إرهاصات النهاية بينما يصفعنا خمول الحواس المرافق للفراق ...

نحن نعيش زمن الوعكات العاطفية ... زمن العواطف المزيفة ... زمن اغتيال المشاعر الصادقة التي أصبحت مثل المخلوقات النادرة المهددة بالانقراض ... حتى بتنا نحتاج إلى محمية عاطفية يمنع فيها صيد المشاعر وجرح الأحاسيس .. محمية يتعايش فيها صخب أرواحنا مع شراسة رغباتنا مع تعقيدات همومنا وأسبقيات أولوياتنا .. مع كثافة مشاعرنا تجاه آخر .. واحتياجنا إليه ....نحتاج إلى محمية عاطفية تقينا خطر الصيد الجائر على أيدي راغبي متعة القتل لأجل القتل ...نحتاجها كي تكون هناك مساحة آمنة تكبر فيها المشاعر بلا خوف .. نحتاجها ... كي لا تنقرض عواطفنا ...

الوقوف ... في مهب جرح ...

عندما يذبح الطير ... يقدم أحلى رقصاته ... عندما ينحر الجمل ... يبكي آخر دمعاته التي تنحدر بكبرياء صامت ... وهي تلعن غدر النصل دون أن تفطن لليد الممسكة بالنصل ...عندما يقطف الورد ... يعلن طقوس احتضاره بمنحنا آخر دفقات عطره ... ففي حضرة الألم ... غالبية الأشياء تكتسب قداسة وترفعاً ..وعند الوقوف في مهب جرح .. ننسى من تسبب بجرحنا وننشغل عنه بألم الجرح ومحاولة تخطيه ...في دروب الحياة ... وخلف كل منعطف ... يوجد مهب جرح ... تعصف بنا ريحه وتجاهد لاقتلاعنا من كل الأشياء الجميلة التي نؤمن بها ... أحيانا يجاملنا القدر ويضع لنا علامات حتى وان كانت مبهمة عن احتمال وجود مهب جرح في طريق اخترنا أن نمشيه ...وكثيراً ما يمعن في القسوة .. ويمهد لنا درباً نظنه خالياً من العوائق ... فنسير فيه باندفاع عجول .. ليفاجئنا مهب الجرح في لحظة لم نتوقعها أبداً ...
مهبات الجروح أصبحت كثيرة لدرجة يصعب إحصائها ..وتنوعت ما بين : خيانة حبيب ... خذلان صديق ... موت أحلام ... انتحار أمنيات ... انهيار قيم ... تدحرج مثل ... الخ ... كثيراً ما فاجئني مهب جرح حيث لا أتوقعه ... وكادت ريحه أن تقتلعني ... كثيراً ما حاربت بضراوة كي لا أغلق الباب .. وأستريح .. إغلاق الباب في مهب جرح يعمقه ... ويزيد ألمه ...اعتدت أن افتح أبوابي عند وقوفي في مهبات الجروح ... اعرضها للهواء .. امنحها المزيد من الأوكسجين النقي ... علها تجف وتبرأ ...انتظرها بصبر حتى تلتئم .. ولا اجزع من الندبة التي تخلفها ... فكل ندبة هي علامة انتصار ... هي ذكرى جرح لم يستطع قتلي .. بل منحني الوقوف في مهبه مزيداً من القوة ...أيها الواقفون على مهبات الجروح ... كونوا أقوياء ... وتذكروا أن غالبية الأشياء تكتسب قداسة وترفعاً ... في حضرة الألم ...

إنكفاءة الصمت ...

يربطني عشق غريب مع كل ما هادئ ومنخفض ... خصوصاً الأصوات .. يزعجني الضوضاء .. يفزعني ... ويجعل خلايا عقلي ترتج ... عشقي للهدوء طال كل شئ حتى فصول السنة ومناخها ... بت اكره الصيف لأنه فصل الأصوات العالية والضجيج ... وأعشق الشتاء لأنه فصل السكون .. الضوضاء يلوث أذني .. يخنقها ... ويمنع عنها القدرة على التجاوب مع المحيط الذي يجاورها .. الصمت يمنحني سكينة وصفاء لا حدود لهما ...لذلك ... أمارس صمتي أمام كل الأشياء التي اعشقها .. وأعيش متعة ( صمت الرفقة ) مع أصدقائي الحميمين ... لان الصديق الحميم وحده من يفهم أن صمتي في وجوده هو تقدير لا حدود له ...مع الغرباء نفتعل كثير من الضجيج لنغطي جهلنا بهم وعدم قدرتنا على التعامل معهم إلا بوجود طرف ثالث يكون وسيطاً مهمته فتح قنوات التواصل وتسهيل إجراءات التعامل ...مع الأصدقاء ارفع شعار ( الوسطاء يمتنعون ) ... واختزل صخب العبارات في كلمة واحدة ... أو همسة ... أو صمت .. أدرك بان صديقي يفهمه ... ويقدره ...
اندهش من إحساس البعض بالغضب والاهانة أمام صمت احدهم في حضرته ... كأَن الكلام قد أصبح دليل محبة واحترام !! ....في زماننا هذا ... يتسابق الكل لإصدار أعلى الأصوات وملء الكون ضجيجاً صاخباً ... ويتساوى في ذلك البشر والآلات .. في زماننا هذا ... أصبح الصمت عملة نادرة لا تجد من يقدرها حق قدرها ...فيا محبي الضجيج والأصوات العالية .. جربوا متعة الهمس .. والصمت في حضرة بعض الأشياء .. لتكتشفوا بهجتها ...

Wednesday, March 11, 2009

عندما تخمد الحرائق الكبيرة ...على عجل ...

للنار شهوة لانهائية للافتراس والقتل والتدمير ... وللهب جوع دائم ومريض ...عند إندلاع الحرائق الكبير .. يهب الجميع لإطفائها على عجل ... ويصبح الصراع بين الماء والنار لعبة حياة أو موت ... لا تنتهي إلا بفناء احد الطرفين مخلفاً وراءه خسائر عنيدة ... ومفضوحة ..في حموة القتال بين أصل كل شئ واصل الشياطين ... تصبح العجلة هي ديدن الطرفين .. وغالبا ما تكون الغلبة لأصل الأشياء ... ففي النهاية ... النار ان لم تجد ما تاكله تاكل نفسها .. حتى تفنى فيها ... تعجل الماء لإنهاء الصراع قد يؤدي به إلى إغفال جمرة صغيرة توارت بسؤ نية مبيت بانتظار هذه الفرصة .. وفي لحظة غفلة نبتت من بطن احساس النصر الكاذب ... تعيد نفخ روحها الخبيثة وتعاود الاشتعال في محاولة لإشباع جوعها الملعون ... وهكذا تستمر الحرب بين الماء والنار إلى ما لا نهاية ...
نحن البشر أيضاً لنا حرائقنا التي تشتعل بداخلنا ونعجز أحياناً في السيطرة عليها ...ولا يكون أمامنا سوى خيارين ..إما أن نتركها تقضي على الأخضر واليابس وتحيلنا إلى بقايا مدمرة وحطام اسود لا يصلح لشئ ..أو نحاول إخمادها على عجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتلافياً للخسائر ... دون أن ننتبه لتلك الجمرة الصغيرة المتوارية بخبث تحت الأنقاض ..الأذكياء فقط هم من يطفئون نارهم بتؤدة .. ويعاملونها بما يليق بها من حرص حتى يامنوا غدرها .. كل الحرائق لابد وان تطفأ على مهل .. وخصوصاً حرائق الغرائز ..إطفاء غريزة الجوع على عجل يضعنا في مرتبة اقل من الحيوان ... لأننا نأكل دون أن نعي ما نأكله ..لا نتوقف عند مذاق أو نكهة .. ولا يهمنا مظهر أو محتوى ... وعندما نظن أننا وصلنا إلى الشبع .. نخطئ في ظننا ... فما وصلنا إليه لا يكون إلا تخمة كاذبة .. وتظل جمرة الجوع الخبيثة متوارية ومتقدة .. ومستعدة لإشعال النار من جديد ...إطفاء غريزة الجنس على عجل .. يورثنا الإحباط والرفض والألم ... ومزيد من الجوع الذي يتوق للوصول إلى نقطة نحسها حتى نكاد نلمسها ... ثم نجد أنفسنا ابعد ما نكون عنها ... فالجنس كالأكل .. يحتاج إلى تأن وتمهل حتى نستطيع التمتع بالمذاق والنكهة المتفردة قبل الوصول إلى مرحلة الشبع ...
غريزة الحياة نفسها ... يجب أن تطفأ كل مرحلة منها ببطء ... كل مرحلة يجب ان تعاش بعمق متمهل ... مع تفادي محاولات القفز بزانة العمر من مرحلة إلى أخرى الى الامام او في الاتجاه المعاكس في سباق حميم للفوز بكل المتع ... كل مرحلة يجب أن يطفأ لهيبها بماء الحكمة الذي يحارب لهب التسرع والغباء ويخمد نار الغضب والحقد والغيرة والكراهية .. فلنتاكد من اطفاء جذوة كل مرحلة بما يليق بها .. والانتباه لتلك الجمرة الصغيرة المتوارية التي تسعى لاشعال نار الفتنة بين الواقع والأمنيات ...إذن ... فلنطفئ حرائقنا الكبيرة على مهل ... بلا استعجال .. حتى نأمن غدر اللهب ومكره ...

** صفقــة مــع غيمــة ...


ذات عمر .. وبينما كنت افترش الأرض بزهد مريح ... وأتأمل السماء بصمت مبهور ... طالعتني غيمة
كانت بيضاء كندف ثلج تآمر مع لونه لتكدير صفو الزرقة التي تحيط به .. كانت موحية .. غامضة ... متحدية ... مبهجة .. متعرجة كثنايا الروح ... مأخوذة بنفسها عما حولها .. مغرورة بجمالها ..
أسرتني بسحرها .. وطفقت أتابع بتركيز حركاتها المتموجة ...
وفجأة .. بدأت تتحول إلى ملامح وجه أكاد اعرفه .. وجه يبتسم لي بالفة وحنان وعيناه تغمزانني بشقاوة ..
وجه يدعوني لحبه ...
بادلتها الابتسام ... والحب ...
فتحت لها قلبي المتعب .. وأخبرتها بكل أسراري ... ترافقنا لزمن طويل ... وعندما حان وقت الفراق طلبت منها أن نعقد صفقة ...
سألتها أن تصبح صديقتي المفضلة .. وان لا تتخلى عني أبداً ...
طالبتها أن تعود لتراني كل يوم في نفس الزمان والمكان .. تمنيت عليها أن تخصني وحدي برزازها ...
وعدتها أن التزم بالحضور يومياً لرؤيتها والتسامر معها ... وبأنني سوف احمل لها كل يوم سراً جديداً ...
وافترقنا على وعد اللقاء ...
في اليوم التالي ... انتظرت طويلاً .. لكنها أخلفت وعدها لي ...
التمست لها الأعذار ... ربما تأخرت في الطريق ... ربما عاندتها الريح ... ربما ... وربما ...
وعلى وقع الأعذار ظللت أدوام على الحضور يومياً إلى نفس المكان ... وفي نفس الزمان ...
لكنها لم تحضر قط ...
زارتني مئات الغيمات .. إلا هي ... وهطلت على وجهي آلاف القطرات .. ولم تكن منها ...
فانا اعرف غيمتي جيداً .. واستطيع أن أميزها من بين ملايين الغيمات ...
غضبت ... تألمت ... بكيت ... ثم وعيت الدرس ...
أدركت أن عقد صفقة مع غيمة ومحاولة احتجازها بدعوى الصداقة أو حتى الحب ... هو قمة الغباء ...
الغيمة وحدها هي التي تقرر أين ومتى .. وعلى من ستصب رزازها ...
ومن بعدها ... اعتزلت مصادقة الغيوم ...
وبت اعاتب رزاز كل المطر
...

** وعكــة عـاطفيــة


عندما نصاب بوعكة صحية تكون الأعراض واضحة لنا ولغيرنا ... وتتفاوت في حدتها حسب نوع المرض ما بين الوهن والحمى ... الإعياء والاقياء ... الرعشة والسكون ... التعرق والخمول ...
الوعكة العاطفية لها نفس الأعراض .. ويكمن الفرق بينها وبين الوعكة الصحية إن أعراضها تتعمق وتفتك بالدواخل ... أكثر بكثير من تأثيرها الخارجي ...
الوعكة العاطفية تصيبنا بوهن الروح وحمى الخيال ... تملأنا بإعياء الشك واقياء الغيرة ... تصيبنا برعدة الشوق وخوف الفراغ ... تجعلنا نتعرق المأ من إرهاصات النهاية بينما يصفعنا خمول الحواس المرافق للفراق ...
نحن نعيش زمن الوعكات العاطفية ... زمن العواطف المزيفة ... زمن اغتيال المشاعر الصادقة التي أصبحت مثل المخلوقات النادرة المهددة بالانقراض ... حتى بتنا نحتاج إلى محمية عاطفية يمنع فيها صيد المشاعر وجرح الأحاسيس .. محمية يتعايش فيها صخب أرواحنا مع شراسة رغباتنا مع تعقيدات همومنا وأسبقيات أولوياتنا .. مع كثافة مشاعرنا تجاه آخر .. واحتياجنا إليه ....
نحتاج إلى محمية عاطفية تقينا خطر الصيد الجائر على أيدي راغبي متعة القتل لأجل القتل ...
نحتاجها كي تكون هناك مساحة آمنة تكبر فيها المشاعر بلا خوف ..
نحتاجها ... كي لا تنقرض عواطفنا ...

Friday, February 27, 2009

أشياء مبعثرة

أنا والمطر ...

قبل عدة ايام .. خرجت قبل شروق الشمس بقليل في طريقي الى عملي .. ما ان وطأت قدمي ارض الشارع خارج البناية حتى فوجئت بدفقات من الماء تصافح وجهي بمباغتة حميمة ..
انتفضت .. ذعرت وانا افكر في المسافة الطويلة بين مكاني وموقف السيارات .. نظرت حولي فوجدت وجوه واجمة .. غاضبة .. ممتعضة .. خطوات مترددة ما بين اقدام واحجام ..
نظرت الى ساعتي بقلق وانا افكر دفتر التوقيع الذي سيختفي خلال ربع ساعة من الآن ... وورقة الاستفسار الرسمي التي تنتظرني في حال تاخري ...توكلت على الله وخرجت الى الشارع المبلل وانا اتبنى تعبيرات الوجوه التي تمر بي ...
ما ان تمددت خطواتي على الطريق ..حتى تغير احساسي ... كانت القطرات تهطل بحنان وتمسح عن وجهي تقطيبة القلق على حذائي .. وعباءتي .. وحقيبة يدي .. والطرحة في راسي ...
بدات استمتع بملمس الماء المخملي .. ورائحة الانتعاش التي ملات الجو بعبير غامض يحمل عبق السماء..
تباطأت خطواتي ,, مشيت على مهل وانا ارفع وجهي ليستقبل مزيد القطرات ..
احسست كأنني اغتسل بماء الجنة واتطهر من ذنوبي وهمومي وعثراتي ..
ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهي ...
كانت الوجوه الممتعضة ترقبني بدهشة .. وكل يغطي راسه بما توفر في يده في تلك اللحظة ..
بادلتهم دهشتهم بمزيد من الابتسام وخطواتي تتراقص مع وقع زخات المطر ..
ثم لدهشتي انا اختفت تعابير الامتعاض .. بادلوني ابتسامتي وبدات الصحف واكياس البلاستيك تنحسر عن الرؤوس التي ارتفعت ببهاء لتستقبل الدفقات الناعمة ..
ما اجملنا عندما نتآلف مع هبات الطبيعة بلا غضب ولا توجس ..
ما اروع رائحة المطر .. ما ارق ملمسه .. ما احن صوته .. ما انعم تاثيره على حواسي ...
كم اعشق المطر ...

أشياء مبعثرة


بعد أن تخبو نار الحب .. هل يمكن أن يتحول رمادها إلى صداقة ؟؟!!


كتبت أحلام مستغانمي في روايتها ( فوضى الحواس )
في تمويه لإخفاقات عشقيه .. عرضت عليه يوماً أن يصبحا صديقين أجابها ضاحكاً " لا اعرف مصادقة جسد اشتهيه "انتهى ...
يا لها من امرأة كاذبة ... ويا له من رجل صادق ...
قياساً على ذلك اعتبر أن أي طرف يطلب الصداقة أو يسعى إليها بعد انطفاء جذوة الحب هو شخص كاذب ومنافق ...
في كل الأحوال تتحول النار في النهاية إلى رماد ... ولكن من المستحيل أن ينجب الرماد شيئاً غير الرماد ...
الحب يخلق الشهوات .. شهوة التواصل الروحي والحسي ... شهوة الانتماء ... شهوة الامتلاك ... وشهوات أخرى قد تترجم إلى أفعال .. وقد تظل في خانة الأمنيات المسجونة لاعتبارات تتعلق بالأشخاص وظروفهم ...
الصداقة تختلف في نوعية المشاعر التي تولدها داخل الإنسان خصوصاً إذا تم التعامل معها بدون أي اختلاطات أخرى ..
قد يكون الحب العفوي بعد الصداقة أجمل أنواع الحب .. لأنه ينمو ببطء .. ولأنه يدرك مكامن الضعف قبل القوة .. لانه يكون متفهم .. متسامح ... هادئ ... ومتزن ...
ولكن كيف لإحساس كان كالمحيط الهادر ... سمته صخب السطح والأعماق ... أن يتحول إلى صفحة هادئة رتيبة خاصمتها الأمواج وماتت أجمل مخلوقاتها ؟؟!! ...
موت الحب يولّد مرارات تعلق بالفم .. وبالذاكرة ...
وطلب الصداقة بعد انتهاء الحب .. طلب أناني .. بليد .. خال من الإحساس ... ويحتاج إلى ساحر متمرس ..
وإلا كيف نستطيع أن نحول ماء في درجة الغليان إلى مكعب من الجليد في لحظة واحدة ؟؟!! ...
صداقة بعد الحب ؟؟!! يا له من وهم كاذب ....

أشياء مبعثرة

احتاج إلى ... بيتنا ...


أحتاج إلى حنان أمي ... رائحة أبي ... ومناكفات شقيقاتي ..صخب صغار البيت .. ونسيان اسمي في خضم مناداتي بـ ( يا خالتو و ياعمتو ) ...
احتاج إلى طعم حياتي قبل عشر سنوات مضت ... قبل ان يغرز غول الغربة انيابه السامة في روحي و جسدي .. ويحولني الى كائن متوحد يجفل من الاصوات العالية .. والزحام والجو العائلي الحميم ...
كائن اعتاد الهدوء الممل .. والانعزال .. وبروتوكولات الزيارات بمواعيد مسبقة..
أسوا ما في الغربة انها تغير طباعنا ... ببطء ...و حقد ... واصرار مقيت ... تستغل غفلتنا وتكالبنا على سهولة حياة مؤقتة وخادعة ...وتنتزع منا كل ما هو جميل وتحوله إلى ذكريات ما تلبث ان تبهت ليحل محلها واقع ماكر ...
كلما طال غيابنا عن عالمنا المالوف ... كلما تسللت طباع الغربة القبيحة إلى دواخلنا وأحكمت سيطرتها علينا ...
كلما تباعدت خطانا عن الجذور ... كلما ترعرعت أعشاب الجفاء السامة وتسلقت شجرة العمر وأصبحت جزءاً أصيلاً منها ...
تداهمني نوبات هذه النوستالجيا حين لا أتوقعها .. فتصبح كإعصار يكتسحني .. ويقلب كياني رأساً على عقب يدمر ثباتي المصطنع ... ويعيدني طفلة صغيرة تخاف العواصف وتبحث عن الدفء وتتمسك بطرف ثوب أمها حتى لا تتوه وسط الزحام ...
ثم تمر نوبة الحنين بعد أن تخلف وراءها حسرة على ما مضى .. وخوف مما هو آت ...وتعود إلى الواجهة تلك المرأة العملية .. الواثقة ... القوية .. الباردة ..
وهكذا تمضي الحياة .. نوبات حنين حار .. تعقبها حالة تأقلم حاد ...
ما أقبحك يا غربتي ... كم اكرهك يا غربتي ...

اشياء مبعثرة

احتاج الى بوصلة ...

احتاج الى بوصلة خارجية تحدد لي مسارات طرق حياتي التي اصبحت متقاطعة ومتفرعة ومتشعبة بشكل مزعج افقدني قدرتي على تمييز الشمال من الغرب والجنوب من الشرق ...
أظن بان بوصلتي الداخلية اصابها التوهان لكثير من الاسباب ..
احيانا عندما تستعر الحرب بين القلب والعقل .. تتوه البوصلة .. عندما يتعارض العام مع الخاص .. تتوه البوصلة ...
عندما تحاول دمج الخطوط المتوازية ... وفصل الخطوط المتقاطعة .. تتوه البوصلة ...
عندما تشتد عواصف الحيرة وتزعزع جدران اليقين ... تتوه البوصلة ...
عندما يسيطر الغضب ويغيب المنطق .. تتوه البوصلة ...
بوصلتنا الداخلية هبة ربانية منحها لنا الخالق عز وجل حتى نستطيع الاهتداء في دروب الحياة ...
اجتياز صحاريها وقطع بحورها وتجنب مخاطرها ...
المحظوظ هو الذي يستطيع ان يحافظ على بوصلته من العطب أو تكون له القدرة على اعادتها اذا تاهت ...
أتمنى ان انضم الى فئة المحظوظين ... فاعيد اصلاح بوصلتي .. وأخاصم توهان خطاي ...

اشياء مبعثرة

الاحتياج رقم 2

أحتاج إلى حب رجل ... مميز


احتاج الى رجل يشبه اشيائي التي اعشقها ...
ملئ بالاسرار مفضوح النوايا ...
يحمل صفات عش العصفور وصلابة الجسور ...
يجيد العزف على اوتاري .. يعرف مفاتيح نغماتي الصحيحة ... ويملك القدرة على انتزاع قهقهاتي الشحيحة ..
رجل يستطيع ان يملا فراغاتي ... ويشاغب مساماتي ...
رجل يقرأني .. رجل يصبغ أعماقي الكالحة بألوان زاهية .. ويفرشها بحقول الفل والياسمين ...
رجل يجادلني باحترام .. يخاصمني بحنان ... يستفزني بحب ...
رجل ينسيني العالم الا هو ... رجل يختزل فيه كل الرجال ..
رجل يعرف معنى الحب .. يفهم جوهره ... يستوعب متطلباته ...
رجل يحبني كما انا.. بعيوب جسدي .. بملامحي العادية .. بحالات ضعفي الانساني ...
رجل شوقه نار تستعر فاحترق فيها انا كفراشة لا تملك الا الاحتراق ...
رجل حبه نور يبدد عتمة روحي ويملأها بالضياء ...
رجل رجولته حماية ووقاية وهداية ...
احتاج إلى حب رجل مميز ...
لا يوجد إلا في أحلامي ...

اشياء مبعثرة

احتياجات مبعثرة ....

الاحتياج رقم (1) احتاج ان ابكي

.. احتاج الى البكاء كما احتاج الى الماء والهواء .. كي افرغ كل الشحنات السالبة والموجبة التي تتصادم بداخلي وتولّد برقا عقيماً لا يستطيع ان يضئ ظلمة روحي ... رغبة البكاء تأتيني فجأة .. وتعبر حواسي كغيمة في خاطر المساء ... احيانا تعصاني دموعي .. تتخمني .. تخنقني .. تستعصم بالكبرياء وترفض ان تتعرى امام احزاني العربيدة .. اتحداها .. بحضور احد الافلام التي تعج بمناظر الحزن المصنوع بقطرات الجلسرين ..فتنزل طواعية ... وبغزارة ...يا لها من دموع غبية .. لا تستطيع ان تفرق بين الحقيقة والخيال ... أظن ان دموعنا تشبهنا .. تصدق الاكاذيب برغم علمها بانها اكاذيب ... وترفض الحقيقة برغم اقتناعها بانها حقيقة ...

اشياء مبعثرة


شظايا.. بشرية ...

حينما تنفجر قنبلة .. يطلق على مكوناتها التي تتطاير كلمة شظايا ..عندما ينكسر إناء زجاجي ويتفتت .. نطلق علي أجزاءه كلمة شظايا ...فهل يمكن ان نطلق هذا الوصف الموحي على وضع معين لانسان ؟؟ هل يمكن ان يتحول اللحم والدم الى شظايا ؟؟
بالطبع لا ...ما اقصده بالشظايا البشرية هي تلك البقايا الجارحة المدببة التي تصيبنا عند انكسار قلب .. وتفتت روح ...
هل امعنتم النظر يوماً داخل عيون حزينة .. مفجوعة ... لا اظن .. فكلنا نتفادى النظر الى هذه العيون .. ونكتفي عادة بلمحة خاطفة خوفا من ان تصيبنا شظايا الوجع الصادرة منها بجروح مؤلمة ...
هل حاولتم يوماً ترميم شظايا قلب مكسور ؟؟!! ... هل ساهمتم في لملمة شظايا روح معذبة ؟؟!! ...هل هناك امل في اعادة انسان الى حالته الطبيعية بعد ان تحول الى شظايا ؟؟!!
كم احتاج الى معرفة اجابة هذا السؤال ....

اشياء مبعثرة


الكتابة في الانترنيت ... مرآة غير عاكسة .. أو .. سؤ فهم اسفيري ...

في عالم الانترنت قليلون هم من يدخلونه من دون قناع ...قد يكون القناع اسم مستعار .. قد يكون شخصية مستعارة .. قد يكون اخلاق مستعارة .. قد يكون اسلوب مستعار ...ما فائدة الاقنعة ؟؟!! ... لا اظن ان هناك سبب لارتداء الاقنعة ... غير التخفي ...
لماذا يتخفى البعض خلف اسم مستعار او شخصية مستعارة او اخلاق مستعارة .. او اسلوب مستعار ؟؟!! .. هل هو لدرء ضرر ؟؟ ام لاحداث ضرر ؟؟...
تختلف الاسباب من شخص لآخر .. البعض يظن ان القناع بما يكفله من اخفاء يمنحه حرية لا يستطيع ان يمارسها لو كتب باسمه الحقيقي .. حرية النقاش باي اسلوب يراه مناسباً له .. حرية التعبير عن اراء وافكار قد لا تجد القبول لدى الآخرين .. حرية الطرح بدون قيود .. حرية السب والشتم .. حرية الغزل والتحرش .. حرية الانتحال والغش والخداع ... اذن نحن امام حالة جبن صريحة لشخصية لا تستطيع مواجهة افعالها ولا ردود الفعل الناتجة عنها ...
البعض الآخر يتخفى لاسباب منطقية .. فهو لا يكتب ما يسئ لاي كان .. وتتميز كتاباته بالعقلانية والجدية .. يكون طرحه مفيدا وخلاقاًَ .. لكنه يقرر التخفي خلف قناع الاسم المستعار لاساب شخصية لا علاقة لها بما يكتب .. فبعض الاسر ما زالت تتحفظ على رؤية اسماء بناتها / ابنائها علناً .. بعض الازواج يرفضون رؤية اسماء زوجاتهم .. بعض النساء غيورات على رجالهن .. الخ ..وان كان الامر لا يعني الكثير بالنسبة للرجل .. لان المجتمع اعطاه رخصة ازلية بممارسة كل ما يحلو له دون خوف الحساب !!! ...
السؤال هو : هل تعتبر حروفنا مرآة عاكسة لنا ؟؟!! ..هل يمكن ان يجنبنا ما نكتب سؤ الفهم الاسفيري ؟؟!! ..لماذا يتعامل البعض مع الكاتب /ة كأنه انعكاس مطابق لما يكتب سواء ان بالسلب او الايجاب ؟؟!! ..
فعل الكتابة خاضع لحالة الكاتب ساعة حدوثه .. ففي ساعة كآبة قد تقطر الحروف حزناً .. وفي ساعة فرح تتقافز الكلمات وتنشر البهجة .. في ساعة شغب ..قد تصبح الحروف شبقة ماجنة ومجنونة .. لكنها في النهاية تظل احوال بشرية غير ثابتة ..ولا تمثل الشخص .. بل تمثل حالته لحظة الكتابة ...
هل نملك حق محاكمة بعضنا البعض بحروفنا ؟؟!!
تحضرني اجابة مليئة بالتناقض ... تدهشني انا شخصياً ..
نعم ... ولا ... الاستتار خلف الاقنعة لا يعطي لاحدهم حق المساس بمسلمات شخص آخر .. مثل عقيدته وعرضه وخصوصية حياته .. في هذه الحالة يجب ان يحاكم الكاتب .. ويحاصر .. ويرفض ...
اما اذا كانت الكتابة تعبير عن واقع .. او احساس .. او توصيف لحدث .. او نقاش لحالة ... مهما كانت حساسة .. فلا يجب ان نخضعها للمعايير التقليدية ... طالما ابتعدت عن السوقية والتزمت بلغة راقية تستطيع ايصال المعلومة مباشرة ودون ايحاءات تفتح المجال لكل ذي حاجة ...
وجع الكتابة .. وسؤ الفهم الاسفيري .. مرآتنا غير العاكسة ....حيرتنا فيما نكتب .. والخطوط الحمراء .. لنا ولغيرنا ...

لـــــــذة الخـــــوف

الخوف ... ذلك الشعور البدائي الضاغط الذي يجعلك تفقد السيطرة على التناغم الحركي لجسدك فيندفع دمك حتى تخاله سوف يخرج مندفعاً من مسامك ... وتتعالى دقات قلبك حتى تصم اذنيك ... يتقطر عرقك وتتراوح درجات حرارة جسدك ما بين الرعدة والانكماش ...كلنا نخاف .. لا فرق بين احساس الكبير والصغير بالخوف .. يكمن الفرق في مسببات خوفنا وكيفية التعاطي معه ..
الخوف احساس حمائي لمواجهة اخطار مؤكدة او محتملة ... وهو شعور طبيعي ما لم يصبح مفرطاً ويتحول الى ما يسمى بـ ( الفوبيا ) والتي تعرف على انها خوف مرضي من شئ بعينه ... بعض الناس يعاني فوبيا المرتفعات .. والبعض يعاني فوبيا العناكب .. الزحام ... الاماكن الضيقة .... الظلام ... والقائمة تطول لتشمل اشياء قد لا تخطر على بال احدكم ...
لكن .. هل يمكن ان يكون للخوف لذة نستشعرها ونسعى اليها ؟؟!! اظن ان بداخل كل منا جزء يستمتع بهذا الشعور ... لانه يمدنا باحاسيس لن نختبرها الا بوجوده ... لهذا السبب يعشق البعض افلام الرعب ويحرص على حضورها ... ويستمع بدخول البيوت المهجورة ذات السمعة المخيفة .. ومطاردة الاشباح .. واستحضار الارواح .. والتوغل بين قاطني عالم القبور وسكانه الابديين ...
وعاشقي الخوف ينقسمون الى فئتين ... فئة تعيشه فقط ... وفئة تصنعه ... الفئة التي تستمتع بمعايشة الخوف لا تتعب نفسها كثيراً في تقصي اسباب لذتها االسادية .. وتكتفي بالمعايشة اللحظية المرهونة بانتهاء الحدث المخيف .. فهم في مأمن طالما بمقدورهم انهاء جرعة الخوف في اللحظة التي يرغبونها ...
الفئة التي تصنع الخوف هي الاخطر لان الاحساس بلذة الخوف لديهم مرتبط بمقدار الاذى الذي يمكنهم صنعه واغراق الطرف الاخر فيه ..هؤلاء لا حدود لهم .. وينبغي لنا ان نخاف منهم .. وعليهم ...
من وقت لآخر احب ان اذكر نفسي بلذة احساس الخوف ووقعه على حواسي ...فاتعمد فتح احدى القنوات وابحث عن فلم ملئ بالمؤثرات الصوتية المرعبة .. المناظر الغامضة التي تثير في نفسي توقعاً مبهماً ... وذلك بعد ان أتاكد من ان جهاز التحكم على مرمى ضغطة من يدي .. في اللحظة التي يتغلب فيها احساس الخوف على اللذة الغامضة التي تصنعه .. اضغط الزر .. وانهي حالة خوفي ...
لذة الخوف .. هل اختبرتموها .. يا له من احساس !!! ...

اشياء مبعثرة


** عـطــر الأمـاكــن ... والحنين إلى أشياء تافهة ....

ما أجمل الحديث عن الروائح .. جميلها وقبيحها ... وتأثيرها السحري على حواسنا وذاكرتنا ... قدرتها على نقلنا من مكان إلى آخر ونحن لا نزال في نفس الموقع المادي ... يقال أن الذاكرة الحسية هي الأقوى لارتباطها بذكرى تتجدد بتجدد أسبابها ...
أحيانا أكون في عجلة من أمري .. تتسابق خطواتي مع الرصيف في آلية فرضتها علينا ظروف الحياة وإيقاعها السريع ... فجأة .. ومن وسط زحام المتدافعين تغزو انفي رائحة عطر مألوف .. فتتثاقل خطواتي إلى حد التوقف التام وأنا ابحث بلهفة عن صاحبته .. تدور نظراتي بيأس في الجموع التي أصبحت تدور من حولي بعد أن تسمرت مكاني بفعل انجرافي مع ذكريات مكان آخر وزمان آخر كان فيه لهذا العطر حضور قوي ...أفيق من جمودي وهدير ذكريات على دفعة قوية من عابر مغتاظ .. فأواصل طريقي تتبعني الرائحة والذكريات ...
الروائح تولّد بداخلي حنين إلى أشياء مبعثرة .. غير مترابطة ...
أينما شممت رائحة ( المحلبية ) أو ( الحنة ) أو ( الشاف المحترق ) أعود فورا إلى بيتنا ... وغرفة أمي بدفئها المميز في أمسيات الشتاء
الطويلة .. أحس كأنني ما زلت معها .. انظر بإشفاق إلى قدميها المرفوعتين فوق ( المبخر ) ذو الجمرات العنيدة التماسا لطرد برد الحناء ...

** رائحة ( الفول ) تأخذني إلى ناصية شارعنا حيث الدكان الصغير الذي تتربع في زاويته ( القدرة ) بحملها الحنين على البطن والجيب ... وأعود طفلة بضفائر وأقدام حافية معفرة تحمل ( جك ) البلاستيك بيد .. والنقود بيد أخرى .. تنتظر دورها بقلة صبر .. وعندما تحصل على نصيبها من الحبات البنية الشهية .. تمسكها بحرص بين يديها الصغيرتين وهي تسعى جاهدة لتفادي اللسعات الحارة ...

** رائحة اللقيمات الحار تنقلني إلى بوابة كلية التجارة بجامعة القاهرة فرع الخرطوم ... وجلستي المطمئنة في احد ( بنابر ) بائعة الشاي التي تراصت حولها بفوضى منظمة .. بعضها نسج بالحبال الخشنة .. وبعضها بسيور البلاستيك الأزرق المتداخل مع الأبيض ... في يدي كوب الشاي باللبن .. وأمامي على الطاولة الخشبية الصغيرة صحن ألمنيوم قديم به قطع اللقيمات المرشوش بالسكر الناعم ... أحيانا .. وعندما يفرغ الجيب .. يصبح لقيمات الصباح بديلاً لوجبة الفطور ويقيني عذاب الجوع حتى مواعيد عودتي إلى المنزل ظهراً ...

** رائحة الثوم المحمر في الزيت الحار ( القدحة ) تذكرني ببيت جدي لامي الحاج نجار عبد العظيم ( رحمه الله ) والطبيخ الشهي من يدي جدتي الحاجة فهيمه الريقي ( رحمها الله ) اثناء زيارتنا الأسبوعية إلى حي ( حلة حمد ) ببحري والتي لابد فيها من طبق الملوخية الشهير وقرينه الأرز الناصع البياض ...

** حتى الروائح النتنة ( والعياذ بالله ) لها ذكرياتها التي ترتبط بها .. وهذه تكون أكثر التصاقا لما تسببه من أذى نفسي يكاد يصل عندي إلى درجة المرض ... لا زلت اذكر حتى الآن رائحة ( جردل العيفونة ) في منزل خالتي بحي ( الدناقلة شمال ) وهتافنا نحن الصغار عند وصول السيارة الكبيرة بعمالها الذين يتولون رفع أبواب الحديد الصغيرة وسحب ( الجردل ) الملئ بالفضلات وتفريغه في مؤخرة السيارة التي تتحرك ببطء وهي تنشر رائحتها التي أظنها ما تزال عالقة بأنفي .. وكلما أتتني رائحة مشابهة .. تعيد إلي ذكريات طفولة شقية وممتعة قضيتها في تلك الساحة المربعة ببيوتها البسيطة ...

غريب هو ارتباط الروائح بالأمكنة في ذاكرتنا ... هذا الارتباط الغامض الذي يشعرنا بالحنين إلى أشياء تبدو تافهة في نظر البعض .. لكنها بالنسبة لأصحابها .. معين لا ينضب من ذكريات مميزة ..

اشياء مبعثرة


عصر الانحطاط ....

هل نعيش الآن في عصر الانحطاط ؟؟!!ما هو مفهوم الانحطاط ؟؟!!وكيف ندرك اننا وصلنا الى هذا المستوى المتدني ؟؟!!يؤكد المفكر الفرنسي روجيه جارودي أننا نعيش الآن عصر الانحطاط برغم التقدم العلمي والتكنولوجي المذهل الذي تحقق فيه ، لأن التقدم العلمي والتكنولوجي لا يصنع حضارة إذا لم يرافقه تقدم في كل العلوم والآداب والفلسفات والفنون ...فلنبدا بالعلوم ... هل يستخدم التطور العلمي الحالي لصالح البشرية ام لضررها ؟؟!!العلم الذي اوصلنا الى القمة في مجالات كثيرة .. هو نفسه العلم الذي استخدم للتلاعب بالجينات وعمليات الاستنساخ المثيرة للجدل .. هو نفسه العلم الذي استخدم لصنع فيروسات فتاكة واستخدامها كسلاح بايولوجي للقضاء على البشر .. هو نفسه العلم الذي استخدم لضنع القنبلة الذرية ...
التكنولوجيا .. اوصلتنا الى القمر وجعلتنا نلامس النجوم ... اختزلت المسافات والمساحات .. اختصرت الزمن وقلصت الكون ليصبح قرية صغيرة اذا عطس احدهم في اقصاها .. يسمعه الاخر في ادناها ...التكنولوجيا ... اداة للتجسس والغاء لحرية الافراد والدول .. وسيلة مساعدة للكسل وتهميش العنصر البشري امام سطوة الآلة ..
الفنون .. هل انقرض العظماء في مجال الفن ؟؟!! ... لماذا ما زلنا نعيش على امجاد بتهوفن وموزارت وشوبان ؟؟!! لماذا وصلت لوحات فان جوخ ومونيه الى اسعار فلكية ؟؟..
لماذا تحول الغناء الى صراخ مزعج برغم المحسنات التكنولوجية ؟؟
لماذا اصبح هندام الشباب عبارة عن ( هلاهيل ) بالكاد تستقر في منتصف المؤخرة وتظهر ما يجب ان يستر ؟؟
لماذا انقرضت عبارات راقية مثل ( شكراً ) و ( آسف ) و ( من فضلك ) ؟؟!!
لماذا اصبحت الاخلاق كلمة مطاطة تتمدد كل يوم لتشمل اشياء كانت بالامس القريب مرفوضة ومستهجنة ؟؟!! ...
انه عصر غريب ..ملئ بالتناقضات المدهشة .. الانفلات و التزمت .. الاحترام والابتذال ... القبح والجمال .. الخيبات الكبيرة .. والآمال اللامتناهية ...
لكن هل هو عصر الانحطاط ؟؟ ...
من يدري .. ربما يكون القادم اسوا .. او احسن ..
سنترك الحكم للاجيال القادمة حتى تحدد .. هل عصرهم هو الافضل .. ام عصرنا ...

اشياء مبعثرة


جريمة شرف ...

في مجتمع قروي محافظ ... يحاسب على السر قبل الجهر ... وعلى الهمسة والنظرة .. وعلى عدد خصلات الشعر خارج الخمار .. ومساحة الساق الظاهرة من تحت الثوب الطويل .. ولدت ( صالحة ) فكانت النسمة والبسمة والفرحة وسط خمسة من الذكور .. نشأت مدللة .. طلباتها أوامر ... رغباتها مجابة ...كبرت الصغيرة .. واصبحت قرة عين الاسرة .. في السابعة عشرة بدأ شئ آخر يكبر معها .. بطنها ...كان التضخم في البداية غير ملحوظ .. الا للام التي اصابها الجزع وهي تلاحظ ابنتها التي ما زالت تغير ملابسها امام والدتها بلا حرج .. كذبت عيناها ..وبدات تسال ابنتها بحذر عن اشياء كثيرة .. ودقيقة .. وفي قمة الخصوصية ... ضيقت عليها الخناق وتبدلت معاملتها لها الى قسوة وجفاف وسط دهشة الاب والاخوة الحانقين من اسلوب الام مع الابنة الوحيدة المدللة ...ثم بدا التضخم يصبح ظاهرا لعيون الكل .. وانقلبت حياة صالحة راساً على عقب ..بدات الهمسات تتطاير في المجتمع المغلق .. واصبحت الاشاعة عن انحراف ( صالحة ) تتحول الى يقين ... لم يعد الاخوة قادرين على التواجد في اي مكان ..اجتمعت الاسرة .. وقررت غسل عارها بدم الابنة الخاطئة التي اقسمت على طهارتها .. بكت واستعطفت .. صرخت وتذللت ...لكن لم يصدقها احد ... بطنها الدليل الحي على سقوطها .. امسك الاخوة الاربعة يديها وقدميها ... وقام الخامس بشق بطنها لاخراج الثمرة النجسة ... لكن لم يكن هناك ثمرة .. تدفق من بطنها المشقوق ورم ليفي ضخم ...جلس الجميع حوله ينظر اليه بحسرة .. وندم .. وخوف ...اثبت تقرير الطبيب الشرعي ان الفتاة ماتت عذراء .. وانا ما بدا كجنين ينمو .. لم يكن الا ورم تمدد داخلها .. تغذى على دمها .. وتضخم يوماً بعد يوم ...ما هو مفهوم الشرف في زمن اصبح فيه معنى الشرف مطاطي .. ونسبي .. وحسب مقتضى الحال ؟؟!! ...هل كل عذراء شريفة ؟؟!! ...وهل يمكن للشريفة ان لا تكون عذراء ؟؟!! ...فليساعدني احدكم على فهم طريقة تفكير الرجل الذي قد يقتل اخته او ابنة عمه لغسل عارها .. ثم يتسلل في جنح الليل لبيت رجل آخر لينتهك شرفه في اخته او زوجته او ابنته ...

اشياء مبعثرة

تجارب بليدة .... مكررة

كانت فتاة حسناء .. تملك كل ما يحتاجه الانسان لينجح .. ويحلّق في سماوات الفرح ...اوقعتها الاقدار في سكة رجل بدا لها حلمها الذي تجسد في هيئة بشر ... كان عيبه الوحيد انه انسان ( ملول ) ..لا يستطيع البقاء طويلاً في نفس المكان .. او تناول نفس الطعام .. او ارتداء نفس الملابس .. لم تهتم .. هذا عيب بسيط .. الزمن كفيل باصلاحه ...في يوم الايام اتاها بكل برود .. واخبرها بانه قد ملّ منها .. ولم يعد باستطاعته الاستمرار معها ...لملمت كرامتها وتركته ... بعد فترة طويلة او قصيرة .. تعرفت الى آخر .. اخبرها منذ اول لقاء بان لديه مشكلة .. ان استطاعت حلها فازت به ..." مشكلتي انني شخص ملول .. ان استطعتي ان تتحدي مللي سنبقى معاً "قبلت التحدي ... وبعد عدة اشهر اخبرها عن طريق اخرى حلت محلها بانها لم تستطع تبديد ملله ..انسحبت بصمت ... وهي تعد نفسها بعدم الدخول في تجربة بليدة مرة اخرى ...لكنها لم تفي بوعدها لنفسها .. واصبحت حياتها سلسلة من التجارب البليدة المكررة ..تخرج من واحدة لتدخل في اخرى .. مع اختلاف نوعية العيوب التي تسعى لاصلاحها وتفشل ...مع كل تجربة .. ينسحب جزء من روحها الى اعماقها تاركا تجويفا قبيحا .. مع كل تجربة .. باتت تفقد شيئا من ثقتها وعفويتها وحبها للحياة ...بعد تكرار التجربة للمرة الخامسة .. كانت طاقة الحياة قد نضبت من داخلها ...قررت ان تخوض تجربة اخيرة .. تجربة غير مكررة ... فانتحرت ...كانت حقاً تجربة جديدة وغير مكررة ... لكنها قمة في البلادة ...

اشياء مبعثرة



أحـــاســــيس .. معــبـــــأة ...

كان يا ما كان .. في قديم الزمان ... وسالف العصر والاوان .. عادة تدعى كتابة الرسائل .. كانت تتم في ورق ابيض او ملون ...سادة او مسطّر ... بقلم اسود او احمر او ازرق ... في باطنها تتشكل مشاعر واحاسيس لتصبح كلمات ... كلمات تتمتع بخصوصية فريدة .. وتحمل ملامح من كتبها ...أحبك ...أشتاق إليك ..انا غاضب منك ... انا حزين .. انا في قمة السعادة ...كلمات تتحول من مجرد طبعة حبر على سطح املس .. الى ابتسامة .. او ضحكة .. او حتى تقطيبة و دمعة ...اجمل ما في الرسالة انها تطوى .. تحفظ في مكان امين .. واثناء طيها .. تطوى معها المشاعر التي ولدّتها لحظة قراءتها ... بمرور الزمن .. تتعتق تلك المشاعر .. وتصبح لها رائحة .. وطعم .. يأتينا على عجل ما ان نعيد فض الورقة ... في الزمن الحاضر .. اصبحنا نعبر عن مشاعرنا ببطاقات مليئة بالكلمات الجاهزة ..ضغطة زر من فارة الكمبيوتر تعطيك الاف المواقع المتخصصة .. بطاقات معايدة .. بطاقات تعزية .. بطاقات تهنئة .. بطاقات مكتوبة بواسطة شخص غيرك ترسلها لمن تحب وتعبر له عن حبك وشوقك !!..
انه زمن زمن المشاعر المعبأة في بطاقات .. ومرسلة عن طريق رسالة هاتفية قصيرة ...احاسيس (Ready Made) ...نظيفة .. لم تختبر معنى الاتساخ ببقع الحبر من قلم تعاطف مع الحرف حتى ادماه فسكب قطراته في اصابع مرتعشة من اللهفة او الخوف او الالم او الوجد ...انه زمن الاحاسيس ( العابرة ) للمدن والقارات .. ففي صباح مميز ... تقرر ارسال رسالة نصية من هاتفك الى شخص مقرب اليك .. تكتبها بمشاعرك لتعبر بها عن احساس خاص ... من استلم رسالتك يعجبه فحواها .. وبلا تفكير يعيد ارسالها الى آخر .. في بلد آخر ... و الذي بدوره قد يعيد ارسالها الى آخرين ... في بلاد اخرى ...وتفاجأ بعد ايام برسالتك تعود اليك من شخص غير الذي ارسلتها له !!! ... فلا تملك الا ان تتساءل : هل احس كل من استلم هذه الرسالة باحساسك لحظة كتابتها ؟؟!! .. ولا تملك الا ان تحزن لان الرسالة التي اردت لها ان تكون خاصة .. قد تحولت الى احساس معلّب .. يتم تداوله بكل بلادة ...
هل انتهى زمن كتابة الرسائل ؟؟!! ربما لا .. بدليل وجود المؤسسات البريدية في كل مكان .. عن نفسي .. لم اجلس منذ زمن طويل لكتابة رسالة ... ليس عزوفا من جانبي .. ولكن خوفا من تعليقات مستلم الرسالة من شاكلة : لا حولا .. انتي لسة من زمن الجوابات ؟؟ ياخي انتي قديمة خلاص .. ما سمعتي باختراع اسمو بريد الكتروني ؟؟ رسائل نصية قصيرة .. دي حتى اسرع واوفر ...نعم سمعت بالبريد الاكتروني .. وكل يوم ارسل وأستقبل الرسائل النصية القصيرة على هاتفي ... لكن ...المشكلة أنني لا أجد فيهم عبق الورق المحمل بروائح من احبهم ... لا ابتسم وانا اقرا الخط المائل لاحدى صديقاتي .. او انتشئ باناقة خط الاخرى ... لا استطيع الاحتفاظ بهم لعشرين سنة قادمة حتى لو احببت .. حتى لو قمت بطباعتها .. لن تكون الرائحة نفسها .. ولا الخصوصية نفسها .. وسوف تصبح عينة اخرى من الاحاسيس المعبأة ...كم تشتاق يداي لملمس مظروف ياتيني عن طريق البريد .. افضه بفرح .. اقراه بنهم .. استنشق رائحته بشوق ... اتفاعل مع ما فيه بكل جوارحي .. عندما انتهي .. احفظه في مكان امين .. لاعود اليه حين حنين ...

اشياء مبعثرة


** عندما يتعلم الإنسان من .. نملة ..

وجدت الخبر منشور على استحياء في إحدى زوايا جريدتي المفضلة .. " فريق من العلماء الألمان يسعى لمعرفة كيفية تمكن فئات النمل من تسلق غصن رفيع صعوداً وهبوطاً دون أن يصطدم ببعضه بعضاً وذلك بغرض تطبيق مبادئ حركته على حركة السيارات التي تسير في الطرق السريعة " ... انشأ العلماء مزرعة نمل نموذجية بكل ما فيها من معابر وطرق .. ثم بداو في مراقبة الأنماط المرورية للنمل بعد أن وضعوا العديد من الاختبارات التي تعرقل السير في الممرات الضيقة .. أكثر ما أدهش العلماء هو قدرة النمل على تفادي الطرق المزدحمة وتحويل مساره إلى طرق بديلة دون أن يختل نظام حركته سبحان الله .. لقد اثبت النمل انه أكثر ذكاء من البشر في تنظيم الحركة .. وحقا يضع سره في اضعف خلقه .. اعتقد أن الحل الوحيد لازمة المرور واختناقات الشوارع في مكان .. أن تقلد نملة منصب وزير الطرق والمواصلات في كل دولة تعاني من مشاكل الزحام ...

اشياء مبعثرة


** الازمة المالية العالمية .. والبسطاء ...

الأزمة المالية العالمية التي هزت أركان الأرض من المحيط إلى الخليج .. زلزلت البورصات .. ورفعت معدلات الانتحار في الدول الغربية .. وأدخلت اقتصاديات اعتى الدول في دوامة ركود بدات تمتص كل شئ ... هذه الأزمة خرجنا منها نحن البسطاء الذين لا نملك حسابات في البنوك .. أو أسهم في البورصات .. أو عقارات مشتتة في جميع أصقاع الأرض .. بنتيجة تشبه بساطتنا .. وهي ان اقتصاد غالبية الدول يقوم على أكذوبة ويبنى على أوهام .. يستمر منتعشاً طالما صدق الناس الأكذوبة وتعاملوا مع الوهم كواقع .. وتنكشف سلسلة الأكاذيب إذا أحس بعضهم بأنها لم تعد تخدم مصلحته .. فيضغط زر صغير .. لينهار كل شئ مخلفا الحسرة والخوف .. والموت ... يا له من عالم يعشق الأكاذيب ويتغذى على الأوهام .... وما أسعدنا نحن البسطاء بما لا نملك ...

اشياء مبعثرة


**غضب الطبيعة .. وغرور البشر


الفيضانات والزلازل تجتاح العالم ..ثورات براكين .. أعاصير .. ارتفاع درجات الحرارة إلى أرقام قياسية .. ذوبان جليد تكون منذ ملايين السنين ..انهار تجف وبحيرات تختفي .. أنها الطبيعة تعلن غضبها على عبث البشر الذين ظنوا أنهم أمنوها وطوعوها بما أحرزوه من تقدم علمي وتكنولوجي ... الم يصعدوا القمر ويدرسوا تربة المريخ تمهيداً لغزوه ؟؟ .. الم يتلاعبوا بالجينات وخلطوا البشر مع الحيوانات ؟؟المثير في الأمر أن تأتي عاصفة واحدة فتدك الأرض دكاً .. وفي ثوان تختفي المباني بكل تكنولوجيتها .. ويختفي البشر بكل ما يحملونه من علم ... تختفي الحضارة الزائفة .. وتعود الأرض كما كانت ... بكر .. ندية .. متحدية .. مستفزة .. تعود لتهتز وتربا .. ثم تمنح البشر غواية تدميرها مرة أخرى .. متى نقتنع بضعفنا وقلة حيلتنا أمام قوى الطبيعة ؟؟ !! ... متى نتعلم بأننا مهما علونا .. نظل نحن الحلقة الأضعف في ناموس هذا الكون ...

اشياء مبعثرة



** غزة تنادي .. واااا إسلاماهـ ... وااااا معتصماهـ

غزة تموت جوعاً وبرداً .. والعرب صامتون .. لاهون ..مشغولون بمتابعة أخبار مهند ونور .. وإدارة صراعاتهم الصغيرة التي تفوق أهمية معاناة نساء وأطفال وعجزة يقتلهم الحصار ونقص الغذاء والدواء ... الحكومة الفلسطينية نفسها مشغولة عن شعبها بحرب السلطة وتقسيمات النفوذ .. لقد نست أن توجه حربها ضد عدوها الأصلي الذي احتل أرضها وقتل شعبها .. وتفرغت لمحاربة بعضها البعض .. وما بين صراع " فتح " و " حماس " ضاعت القضية .. ولا عزاء لياسر عرفات الذي أظنه يتقلب حزناً في قبره على ما يحدث لأبناء بلده من أبناء بلده ...هكذا نحن يا عرب ... نتفوق في مقدرتنا على طمس قضايانا المصيرية تحت أطنان من الخلافات الهامشية التافهة التي تمنح العدو كل ما يحتاج إليه لمحونا من الوجود ... أفيقوا يا فلسطينيين ... أفيقوا يا عرب .. أفيقوا يا مسلمين ..


** حلم .. لاجئ ..

بين فترة وأخرى تصفعني أخبار غرق سفن اللاجئين في بحر أو محيط أو قبالة ساحل كان الوصول إليه قاب قوسين أو أدنى .. هولاء التعساء الذين دفعوا كل ما يملكون وتدافعوا كي يحجز كل منهم مكان قبره في عمق محيط أو داخل بطن سمكة جائعة .. كانوا يحاولون الهرب من جحيم الجوع والفقر والإبادة .. ظنوا أن بوسعهم الإفلات من قبضة الموت داخل بلادهم .. لكن حكم الإعدام عليهم كان قد صدر في نفس لحظة هروبهم ... حكم بلا محاكمة ولا مرافعات .. التهمة كانت أفظع وأفدح من إمكانية انتظار المحاكمة ... التهمة كانت " الحلم " .. هؤلاء الفقراء المطحونون أدينوا بسبب عدم امتثالهم لمقولة " لا تحلموا بعالم سعيد "
فالحلم أصبح بمنأى عن الفقراء ..
الحلم أصبح حكراً للأغنياء ... والأغبياء ...

اشياء مبعثرة



**قرصنة


في الصدارة هذه الأيام أخبار قراصنة الصومال الذين قرروا أن أرضهم لم تعد تكفي لحربهم اللامنطقية فقرروا نقلها من البر إلى البحر .. وأشعلوا الشواطئ بعمليات اختطاف منظمة للسفن المارة .. أعادوا إلى الأذهان ذكريات الأزمان الغابرة .. عندما كان القراصنة ملوك البحار .. الفرق الوحيد أنهم لا يربطون أعينهم بعصابة سوداء ولا يحملون ببغاء أليف على أكتافهم .. قراصنة الصومال يستخدمون الأقمار الصناعية واحدث تطورات التكنولوجيا لمراقبة السفن المستهدفة .. أثار دهشتي خبر احتجازهم لسفينة أوكرانية تحمل على متنها 44 دبابة كانت في طريقها إلى جنوب السودان !!! ... وتساءلت .. الم تتوقف الحرب في الجنوب ؟؟ .. هل يحتاج الجنوب إلى دبابات أم إلى مدخلات تنمية تنهض بمجتمعه الفقير المنهك من سنوات الحرب الطويلة ؟؟ .. نقول شنو غير : " دة السودان ياهو دة السودان " ...

اشياء مبعثرة

هي خواطر لا يربط بينها أي رابط .. تأتيني على حين غرة .. وأنا أقرا .. أو أقود سيارتي وسط الزحام بلا هدف هربا من ملل خانق .. أحيانا تراودني أثناء وقوفي أمام مديري الصارم وهو يلقي إلي بتعليماته الواجبة التنفيذ في الحال ... أو أثناء جلسة صاخبة وسط الصديقات ... تتدفق في عقلي دون ان تهتم بمكاني .. او الزمن أو الظرف الذي اعايشه .. لذلك أسميتها أشياء مبعثرة ...

عناوين رئيسية .. وجانبية ...

بحكم التعود الذي وصل إلى درجة الإدمان .. لا استطيع أن أبدا يومي قبل قراءة الصحف .. أحيانا أضع أمامي ثلاث منها .. انتقل من صفحات واحدة إلى الأخرى لأقرا نفس الأخبار المكررة .. نفس الوعود الكاذبة من ساسة تجمدت تعابيرهم من كثرة الماكياج الذي يحسن مظهرهم دون أن يطال جوهرهم .. نفس الصراعات الغبية .. نفس التقارير التي ترفع مستوى الضغط والسكر في دمي وتخل بنظام دقات قلبي ...

Tuesday, November 21, 2006

عاوزة اكون معاك براي

عاوزة أكون معاك براي ساعة مغيب جنب البحر
مافي غيرنا .. انت وانا ... ويبقى تالتنا السكون ...
الموج بيهمس بحنان لضفته ... ويذكرها ...
انو لازم تنمسح آثار مشينا من الرمال .. عشان نعود مرة تانية ونطبعها ...
وتسرح الموجات ورانا تمحي آثار الخطاوي
تأسر أسرار الغناوي .. والحكاوي ...
تشيلها ترجع بيها جوة .. وتنتظر ...
يمكن الايام تعيدنا ..

عاوزة أكون معاك براي ساعة بلوغ الظلمة أقصى مقاصدها ...
في حوش وسيع ..سقفه السما ...
نوره النجوم قاعدة فوقنا بهية لامعة تغمز عيونها كل حين ...
الريح توشوش للشجر بسرنا ... ويشهد الليل والقمر ...

عاوزة اكون معاك براي ساعة سحر ...
لما الشمس تخلع جلابيب السواد .. وتتعرى لدنيا البشر ..
واسمع أصوات الطيور تهجر أعشاشها وتفرّ ...
وأبدا اسرح في السويعات المقبلة من زماني وانت مافي ...

عاوزة اكون معاك براي ساعة المطر ينزل رشاش ...
والدنيا كلها تبقى فايحة بريحة الدعاش ...
اجري وانط ... اقع اتزلق .. زي طفلة مليانة اندهاش ...
املاك طين .. تملاني طين ... نلعب سوا وننسى اننا ناس كبار وحرمنّا نلعب من سنين ...


عاوزة اكون معاك براي ساعة ضحى ...
والضل بيساسق في الحيط عاوز يمشي ...
احنا بنباريه نجري وراه نترجاه بس يستنى ويمهلّنا شان الونسة في الضحوية طاعمة ضمّة ...

عاوزة اكون معاك براي ساعة تجلّي ...
لما اللسان ينسى الكلام ...
لما الحروف تعصى أمرك وتعصى أمري ...
لما الإشارة من العيون الجنننّي ...
تبقى لهجة بسيطة ساهلة وماها غافلة عن حروف الضمّ ... وجرّي ..

عاوزة اكون معاك براي ساعة وجع ....
لما الأنين يصبح لغة ...
لما الشفايف تنسى طعم الابتسام ...
لما المرار يسكن الجوف والعضام ...
لما الدموع الفي الخدود تبقى مرسال الحزن ...منتظرة أيدك تمسحها وتقلع السبب المعافر ..
توقف المحراث يحفّر في جروحي ...
وتردم الهوة العميقة جوّة روحي ...

عاوزة اكون معاك براي ساعة فرح ...
لما الضحك يبقى الصدى لصوتك انت ...
لما القلب يبقى زي ورد الربيع ... مليان ندى ..
لما الهموم تنزاح بعيد وتجيني انت في آخر المدى ..
شايل بيوت مبنية في عمق الخيال ..
مسكونة بفرح العيال ...
معروشة باحلام وفال ...

كيف البنية ؟؟



لو بتسال عن صباحات البنية النايمة في حضن الحلم ...
لو بتسال عن عيونها ...لسة دامعة ولا ضاحكة ...
لو بتسال عن قليبها لسة حي ولا مقتول بالالم ...
لو بتسال عن جنونها وعن مشيها ورا الخيالات والوهم ...
لو بتسال عن عروقها لسة جامدة ولا جاري فيها دم ...
خليني اقول لك يا حنين
انو البنية حاربت صمت الحزن
وصادقت فرح القماري
هادنت حس الالم
وخاصمت كل خيالات الوهم
وفي عروقها جاري دم ممزوج بعطر الانتصار
خليني اقول لك يا رقيق يا رفيق
انو البنية صالحت بيك الزمن
ساررت بيك النجوم
سرحت معاك وسط الغيوم
ونست حداك معنى الهموم

Tuesday, September 12, 2006

خواطر امراة جبانة

اعذرني يا حبيبي
لا املك سوى ان اهرب منك
شئ في اعماقي يرفض ان يخضع
كم اتمنى في لحظات ان اتحرر من اغلالي
اغلال الخوف المبهم من مجهول لا اعرفه
لكن
هناك دوماً شئ ما
اقوى مني
يقيدني
يكبلني
يجعلني اركض كالفار المسعور
ابحث عن جحر يخفيني
كم اتمنى في لحظات ان ارجع طفلة
لم تتعلم كيف تدس مشاعرها خلف الجدران
ولم تتعلم معنى الخوف من المجهول
لكني اتذكر دوماً اني امراة
تشعر بالخوف من النبضات
وكثيرا ما تنسى صوت الضحكات
كم اتمنى في لحظات ان اتعلم كيف احب
وكيف اودّع جبني امام الحب
كيف امتّع جسدي بلمسة يدك
وكيف اثبت نظري في عينيك
لكني اتذكر دوماً اني امراة لم تخلق للحب
واني قد جاهرت بكفري لوجوده
واني قد اعلنت على دنيا الحب الحرب
واني قد عاهدت النفس على ان لا تعشق احداً
كم اتمنى في لحظات لو لم تظهر في افق حياتي ابداً
ولو لم تعلّم قلبي معنى الفرح .. معنى الخوف ومعنى الشوق
كم اتمنى في لحظات لو لم تجعلني اشعر انك جزء مني واني جزء منك
لكني اتذكر دوماً سخرية الاقدار
فترفق بي
واتركني لخوفي وظنوني
والامل الكامن في نفسي
باني يوماً ما
ساكسر قيدي
واتحرر من خوف المجهول
واني يوماً ما
ساطلق للقلب المسكين سراحه
فترفق بي
ارجوك ترفق بي

انت وحدك

انت وحدك
في فؤادي كامن مثل الحياة
انت وحدك
في حناياي وعقلي وروحي
انت وحدك
سر فرحي وابتسامي ودموعي
انت وحدك
حاكم مطلق تامر وتنهي
انت وحدك
من بحبك ... اوقدت ناري وذابت من حرارتها ثلوجي
انت وحدك
من بحبك ... فتحت ابواب قلاعي وانهارت حصوني
انت وحدك
من بحبك ... دمرت اسوار قلاعي واحتارت قيودي
انت وحدك
ايها المربوط في حبل الوريد
انت وحدك
ايها المغموس في قاع العيون
انت وحدك
ملهم الشعر وسره
انت وحدك
سيد العالم اجمع
انت وحدك
من احبك

هل احبك ؟؟

هل احبك ؟؟
لست ادري
كل ما ادريه انك تجري في عروقي
تسرح في خلاياي وتمرح
لا تسلني عن شعوري
فانا نفسي لا ادري كنهه
كل ما ادريه انك صرت مني موضع الروح واكثر
لا تقيدني بكلمة
فانا اكره القيد ولو كلام
لا تطالبني بشئ
ثم اشياء كثيرة
فلربما اجبن واهرب
لاتحملنّي هموم لغد عندي بعيد
واراه كطريق مظلم
وملئ بالوعيد
دعني احيا حاضري لحظة بلحظة
لا تلمني ان جفوت في يوم قد ياتي غداً
فالخوف من جرح بيدك اقوى مني
والجرح عندي لا يطيب
وآثاره تبقى .. وتبقى ابداً لا تغيب
وانا اضعف من ان احمل جرحاً لا يطيب
انت تعلم ما بنفسي
فترحّم

Tuesday, September 05, 2006

مسرحية خيالية .. صاحبة الفخامة رئيسة الجمهورية

مسرحية خيالية هزلية

صاحبة الفخامة رئيسة الجمهورية

المشهد الأول
السودان _ العاصمة الخرطوم _ أبريل 2016 .

تسمر الملايين في مختلف أنحاء العالم أمام شاشات التلفزيون وهم يتابعون أحداث الثورة العنيفة التي قام بها الشعب ضد نظام الحكم في السودان بعد فترة طويلة من الخضوع والاستسلام ... كان المذيع الأمريكي المتخصص في الشئون السودانية يدلي برأيه بلغة عربية فصيحة من قناة السي ان ان المعربة وموجهة ضد العالم العربي ... من خلفه كانت الشاشة العملاقة تعرض شوارع الخرطوم وهي تموج بطوفان من الوجوه الغاضبة والحناجر الصارخة وهي تحرق وتدمر .. وتقتل ...
كان هناك شبح ابتسامة سخرية في ركن شفتيه يحاول أن يخفيها باصطناع الجدية والاهتمام وهو يلوك الكلمات بلكنته الأمريكية القحة ... وملامحه الغريبة وهو يعلق على ما يحدث خلفه ...
" السودان هو البلد الوحيد الذي يعيد فيه التاريخ نفسه بتكرار نمطي غريب ... تقوم ثورة تقضي على الأخضر واليابس فتطيح بالحكومة الموجودة لتتربع بعدها حكومة الثوار الجدد المليئة بالوعود والأحلام لشعب أدمن قادته الإخلال بالوعود وإجهاض الأحلام .. تمسك بزمام الامور وسرعان ما تنسى وعودها للشعب وتبدا بتحقيق وعودها لأفرادها وخلال فترة قصير تصبح صورة مستنسخة ممن أزاحتهم وجلست مكانهم ... وهنا لم يستطع المذيع إخفاء ابتسامته وهو يواصل تعليقه الموجه ضد العالم العربي
" يا له من بلد غريب ؟؟ ويا له من شعب اغرب .. متى سيتعلمون الدرس ؟؟
متى سيتغيرون ؟؟
فجأة اتسعت عينا المذيع وصرخ وهو يثبت سماعة الأذن بيده بينما اخفت الأخرى شهقة كادت تطيح بحرفيته الإعلانية ...
يا الهي .. لقد أتانا خبر عاجل الآن يفيد بأنه قد تم اغتيال أحد ابرز قادة الثورة .. الدكتور محجوب صالح الزين وقد تم اغتياله بواسطة القوات الحكومية في منزله الكائن بمنطقة أمد رمان أثناء اجتماع كان يعقده مع مساعديه وقتل في العملية أيضا سبعة من ضباط الجيش الداعمين للثورة الوليدة وعدد من المدنيين ..
في الحال تصدرت الشاشة صورة رجل في منتصف الخمسينات تبدو عليه سيماء الوقار وتشع عيناه ببريق الذكاء والحكمة ... واصل المذيع اللاهث الأنفاس من هول ما يراه أمامه من فيضانات الدماء وأشلاء الجثث تحليله عن شان بلد لا يمت له بصلة ...
" هذه الخطوة المفاجئة من قبل الحكومة الحالية سلاح ذو حدين .. فهي من جهة قد تخمد الثورة في مهدها .. ومن جهة أخرى قد تزيد نارها استعاراً " ...
وصمت وهو يستمع للتعريف الذي صاحب الصورة ... دكتور الزين من مواليد مدينة امدرمان عام 1960م هاجر إلى سويسرا بعد مقتل والده الذي كان أحد أعمدة الحزب الشيوعي السوداني .. وقد تم إعدامه بلا محاكمة بعد أن اتهم بالخيانة من قبل الحكومة التي أحست بالخطر من تحركاته الرامية إلى إحياء نشاط الحزب الميت ومحاولة تكوين جبهة معارضة قوية في الداخل والخارج .. خصوصاً بعد أن بدأت دعوته تجد صدى لدى نخبة كبيرة من السودانيين وبالذات وسط النخبة المثقفة التي أعياها وضع البلد المتدهور في ظل الحكومة الحالية ...
تخرج دكتور الزين من جامعة هارفارد بأمريكا حيث درس الاقتصاد والعلوم السياسية ويحمل درجة الدكتوراه في تاريخ الأنظمة السودانية المتعاقبة .. متزوج وله ابنة وحيدة مقيمة بسويسرا وتعمل محقق قضائي في لجنة حقوق الإنسان التابعة لمحكمة العدل الدولية بلاهاي ... الابنة الدكتورة نادين محجوب صالح الزين البالغة من العمر 32 عاماً متزوجة من سويسري مسلم منذ ست سنوات ولها طفلين .. محجوب خمس سنوات وفاطمة ثلاث سنوات ... ظهرت على الشاشة صورة فتاة تحمل لون أبيها ولمعة ذكاء عينيه ....

نهاية المشهد الأول ...


المشهد الثاني ...
الولايات المتحدة الأمريكية ... العاصمة واشنطن ... البيت الأبيض الأمريكي ...

في المكتب البيضاوي جلست رئيسة الولايات المتحدة السيدة مارلين كينيدي بهدوء وهي تراقب بعينيها الرماديتين صقور إدارتها أثناء الجدال الحاد الذي يدور بينهم وقد انقسموا إلى فريقين بين مؤيد ومعارض للفكرة المطروحة ... كانت السيدة كينيدي امرأة جميلة في السادسة والأربعين من عمرها وصلت إلى كرسي الرئاسة بدعم من حزبها الذي اعتمد على ارث عائلتها من الحب في قلوب الأمريكان ابتداء من جدها الأكبر الذي ظل اغتياله لغزاً استعصى على الحل ... مرورا بالشائعات التي جعلت منها حفيدة مارلين مونرو وجون كينيدي من العلاقة العابرة التي تسببت بانتحارها او مقتلها على ايدي الاستخبارات الامريكية ... وانتهاء بجمالها وذكائها الحاد الذي أهلَها للسيطرة على اكبر قوة في العالم ...
طرفت عيناها الجميلتان وهي تستمع الى لهجة السناتور هاكمان المعارض لتدخل دولته في أي بلد آخر ... وكان يملك حجة قوية :
" كيف تطرحون فكرة التدخل العسكري في السودان ؟؟؟ الا يكفيكم ما حدث وما زال يحدث لنا في سوريا وايران وليبيا ، ومن قبلها العراق وافغانستان ؟؟؟ هل نسيتم فيتنام ...لقد أصبحنا نملك اكبر نسبة من الجنود المختلين عقلياً من جراء حروبنا وتدخلنّا في الدول الأخرى .. ما زال جنودنا يموتون بالعشرات كل يوم في هذه الدول ... ناهيك عن الأمراض الغامضة التي عاد بها العائدون ... مالنا نحن وهذا البلد التعيس في مجاهل أفريقيا ؟؟ ماذا نريد من بلد مثله .. ان حكامه لم يتركوا فيه شيئا لنا او لغيرنا ... كل ثرواته أصبحت نقود في بنوك سويسرا والجزر اللاتينية وحتى لدينا هنا في أمريكا ... شعبه غريب الأطوار وملئ بالتناقضات ... ما هي الفائدة المرجوة من التدخل في بلد كهذا ؟؟
رد عليه السيناتور هيو المؤيد بشدة لتدخل دولته في أي بؤرة صراع في العالم ومحاولة الاستفادة مما يحدث قدر الإمكان :
" أرجوكم كفانا تباكياً ونواحاً على ما حدث منذ عهد بعيد في فيتنام .. وما يحدث الآن في أفغانستان والعراق وسوريا وإيران ... نعم قد خسرنا الكثير .. ومعرضون لخسارة اكبر .. لكنها ضريبة المجد ... ضريبة ندفعها بكل رضا لأننا اعظم قوة في العالم ولن نتخلى عن موقعنا الذي حصلنا عليه بالمال والدماء مقابل مخاوف جبانة ... انتفخت أوداجه من تأثير كلماته المدوية على من حوله وواصل بصلف المستعمر الغبي :
" لابد أن ندخل السودان ... إنها فرصتنا التي ننتظرها منذ عقود ... تذكروا فقط كم سعينا فيما مضى لنضع أرجلنا داخل هذا البلد .. وفي كل مرة يستطيع حكامه الخلاص من مكائدنا ... لدرجة انني مندهش كيف يكونون بهذا الغباء ويستطيعون ان يجدوا مخرجاً من كل المآزق التي وضعناها لتكون ذريعة لتدخلنا ؟؟
واصل بثقة بعد ان ضمن ميلان القلوب والعقول لصالحه : " الا تدركون معنى ان يكون لنا وجود فعلي في قلب افريقيا ؟؟ انها الفرصة التي انتظرناها طويلاً .. وبرغم ما يقال عن ثروات السودان المنهوبة .. هذا البلد ما زال يعج بالثروات المدفونة التي انشغل اهله عنها بالتحارب فيما بينهم .. اذا آلت الامور الينا .. سنتمكن من استغلال كل شئ بالصورة المثلى ... كل شئ بما فيه البشر ... ان نحن غزونا السودان فستصبح كل أفريقيا لنا "
لحظتها تبدلت ملامحه بصورة غريبة الى ربان سفينة يحمل سوطاً وهو يسوس قافلة من العبيد الذين كانوا احرارا وفي اثناء غفلتهم صاروا عبيداً ...
وتعالت الاصوات مرة اخرى .. وبدت المعارضة تتوارى خلف الحماسة التي اذكاها تاجر العبيد ... وفجاة ارتفعت يد صاحبة العيون الرمادية باشارة موحية لينقطع الجدال ويسود الصمت ... نطقت بصوت عميق تتخلله بحة جذابة بنبرات واضحة :
" انا اؤيد وجهة نظر كل من سناتور هاكمان وسناتور هيو .. بدات همهمات مندهشة من هذا التصريح المتناقض فلم تعرها صاحبة العيون الرمادية اية اهمية وواصلت حديثها : " لا اؤيد التدخل العسكري المباشر ... فهؤلاء السودانيين شعب غريب ولا يمكن التكهن بردود افعالهم يؤمنون بافكار متطرفة مثل الجهاد والاستشهاد .. قد يتقاتلون فيما بينهم بضراوة .. لكن في حال دخولنا ارضهم لا نضمن ان لا يتحول الجميع ضدنا ... لقد جندنا عدداً هائلاً من الباحثين لدراسة سلوك العرب الغريب .. وجاءت نتيجة الدراسات والابحاث لتؤكد انهم يعتنقون ثقافة فريدة في نوعها مضمونها ( انا واخي ضد ابن عمي ... وانا وابن عمي ضد الغريب ) ... غزو السودان عسكرياً خطوة محفوفة بالمخاطر ولا نستطيع ان نخطوها الان خصوصا وان غزونا لسوريا وايران وليبيا برغم تبريراته القوية ... الا ان الامر لم يسلم من انتقادات وجهت لنا من بقية دول العالم ...
لحظتها تنفس السناتور هاكمان الصعداء وعلت وجهه الصارم شبه ابتسامة ... بينما ملا العبوس ملامح السناتور هيو ...
واصلت مارلين كينيدي كلامها بعد ان تفحصت ردود فعله على وجوه المحيطين بها :
لكنني اؤيد وجودنا داخل السودان بصورة او باخرى ... واتفق مع سيناتور هيو بانها بلد غني وبه ثروات هائلة لم تستغل ... لقد ارهقتنا حروبنا مع العرب والمسلمين .. وتعب الشعب الامريكي من تحمل فاتورة الدفاع عنهم .. نحتاج الى مصدر دخل جديد لتعويض النفقات ... واعتقد بانه قد آن الاوان لنرفع عن شعبنا عبْ حماية العرب من انفسهم ... لقد آن الاوان ان تتحمل دولة عربية ضريبة العروبة والدين ..
ارتفع تصفيق رتيب منغّم من يدي السناتور هيو ثم تبعه الباقون وهم يقفون احتراماً لافكار رئيستهم النيرة ...
وبعد ان ساد الهدوء ... بدا الجميع في وضع خطة للتدخل السريع غير المعلن في السودان ...



المشهد الثالث
سويسرا – جنيف – منزل الدكتورة نادين محجوب صالح الزين
كان صوت الشيخ السديس يعلو مرتلاً آيات بينات من سورة البقرة ... تغلغل الصوت في كل ركن من اركان المنزل الكبير ... في غرفة المعيشة تكورت الدكتورة نادين على الاريكة امام جهاز التلفزيون بصمت حزين مذهول وهي تتابع على قناة السي ان ان وقائع دفن جثمان والدها الحبيب ...لم تتوقف دموعها عن السيلان مما شكل بقعة كبيرة في قميص زوجها الذي كان يحتضنها بكل حنو ... لقد اعتادت عند المحن الشديدة التخلي عن قوتها التي ورثتها عن ابيها واللجوء الى صدر زوجها حيث تجد الدعم والمواساة والتشجيع ... ساد الصمت بينهما واكتفي الدكتور عبد الله راينز بمسح دموع زوجته من وقت لآخر ...بينما جلس طفلاهما محجوب وفاطمة وهما ينقلان نظراتهما المحتارة بين امهما الباكية ووالدهما المصدوم ومن ثم الى شاشة التلفزيون التي تعكس مشهد امواج متلاطمة من البشر الغاضبين .. كان الرجال يصرخون بعنف وثورة بينما تبكي النساء بالم وحرقة ... كانت الاكتاف تتبادل حمل جثمان الجد الذي وعدهم بعودة قريبة ...
بعبارات بسيطة تناسب سنهم الغض شرح الدكتور عبد الله لاطفاله ما حدث .. فسال من يحمل اسم الجد المغتال : لماذا قتلوه ؟؟!! هل لانه يختلف عنهم في طريقة التفكير فقط ؟؟!! انا احيانا اختلف مع فاطمة في اشياء كثيرة لكنني لا افكر بقتلها !!
ولم يملك الوالدان جواباً لمنطق الصغير فالتزما الصمت ...
فجاة ارتفع رنين جرس الباب مبددا السكون ناشرا الفزع ... اتت الخادمة بخطوات منضبطة تدل على اصلها الالماني واعلنت عن وصول ضيوف اتوا بدون موعد محدد .. وتتساءل هل تدخلهم ام تصرفهم بعد ان تعطيهم موعداً ؟؟
كان الدكتور عبد الله قد اعتاد منذ زمن طويل على طريقة اهل زوجته في الحضور بلا اعلان مسبق وفي أي وقت فهب واقفا وطلب من الخادمة الانصراف وبانه سيتولى الامر بنفسه ...
على عتبة الباب وقفت ثلة من الرجال تفاوتت اعمارهم وتشابهت ملامحهم ... كان بعضهم يرتدي الزي السوداني بينما البعض الآخر ارتدى بدل انيقة تحمل تواقيع مصممين مشهورين ... تعرف على بعض الوجوه التي اعتادت ان تزور صهره من وقت لآخر فدعاهم الى الدخول مرحباً ...
بعد ان استقر الجميع في الصالون الفسيح ذو النوافذ الفرنسية التي تطل على حديقة بديعة التنسيق ..بدا أكبرهم الكلام وهو ينطق عبارات العزاء بصوت مخنوق يدل على حزنه وانفعاله .. وردد الجميع من بعده عبارات متفاوتة تدل على نفس المعنى ... بعدها ساد صمت طويل .. ولاحظ الدكتور عبد الله النظرات الحائرة المحرجة التي يتبادلها الزوار ... نظرات كانت تحمل عبارات عجز الجميع عن قولها ... أخيراً تنحنح أكبرهم سناً وبدا يتحدث بصوت واضح النبرات وبلهجة فرنسية طلقة تدل على مستوى تعليمي رفيع :
دكتور عبد الله اعتقد انك بتعرف غالبية الحضور هنا .. التقينا عدة مرات وحضرت معانا نقاشات كتيرة دارت حول الأوضاع في بلدنا ... ولمن دكتور محجوب الله يرحمه اخذ قرار الرجوع للسودان .. أنت أول إنسان رفض الفكرة وحذرنا من خطورتها على حياته ... لكن نداء الوطن كان أقوى من كل محاولات الإقناع ... ورغبة المرحوم في إصلاح الأحوال اتغلبت على كل المخاوف .. خصوصا وان الدعوة جاته من ناس معروفين في الجيش ومن صفوة المجتمع المدني بعد ما خلاص ياسوا من جدوى محاولات الإصلاح من الداخل وبقى الفساد سمة كل زواية في البلد ... كل شئ كان بينهار قدامهم وهم ما عارفين يعملوا شنو ... قرارهم بدعوة المرحوم جا بعد مشاورات كتيرة بين كل الأطراف ومعاه هو شخصياً... هم اتاكدوا من عجزهم لانه الشعب فقد الثقة في الجيش ومهما عملوا وابدوا من حسن نية ورغبة صادقة في التغيير ما في زول حيصدقهم ... الشعب عاوز إنسان عادي .. مدني ... نضيف وعينه ملانة ... بتهمه مصلحة البلد وناسها اكتر من أي شئ تاني ... إنسان يجي بارادة الشعب ويمشي بيها ... لانهم خلاص تعبوا من البيجوهم على صهوة دبابة ويقرروا انهم يخلدوا في الكرسي بكل الطرق حتى لو كانت قاعدة الكرسي جماجم الشعب ..
دكتور محجوب الله يرحمه كان نموذج للانسان دة .. نضاله الطويل ضد الحكومة الظالمة كان معروف في كل المحافل ... دفاعه عن الناس العاديين في السودان ..ز رغبته في تحسين احوالهم المعيشية ... المنظمات الخيرية العملها جوة وبرة وكلها بتهدف لمساعدة المحتاجين والفقراء وما اكترهم ... دكتور محجوب الله يرحمه كان يتمتع بكل صفات القائد الناجح .. عنده ارث ضخم من المحبة في قلوب الناس .. اضافة لدور ابوه الله يرحمه القتلته الحكومة برضه لانه كان بيدافع عن حق الشعب في الحياة الكريمة ..
كان المتحدث نيابة عن المجموعة التي ترافقه هو البروفسير أحمد نجيب عزّ الدين رجل علماني وشخصية مرموقة في المجتمع الدولي عرف بعدائه الشديد المعلن لنظام الحكم في السودان ... يحمل الجنسية الامريكية منذ اكثر من ثلاثة عقود .. يحاضر في اشهر الجامعات الأمريكية عن تاريخ الحضارات العربية والافريقية .. ويعتبر مرجع في حقل مقارنة الأديان ... الخاصة المقربين يعرفون ان له وظيفة اخرى لا تقل اهمية عن الاولى ..فهو يشغل منصب احد كبار مستشاري البيت الابيض في الشئون السودانية .. وعلى ضوء المعلومات والاقتراحات التي يقدمها تتحدد سياسة امريكا تجاه السودان .
تدافعت كلماته بنفس اللهجة المتمكنة الانيقة : دكتور عبد الله انا باعتذر عن المقدمة الطويلة دي لكن هي ضرورية ولازمة لكلامي الجاي لانه احتمال يكون صعب التقبل بالنسبة ليك ... وقبل ما ندخل في أي نقاش نرجو انك تطلب من الدكتورة نادين الحضور لانها معنية بالموضوع اكتر من أي شخص آخر موجود هنا ... رفع الدكتور عبد الله راسه بدهشة عند سماع طلب البروفسير احمد نجيب ... برغم تفكير صهره المنفتح وتحرره من عقد العقل العربي فيما يختص بحقوق المراة ... وبرغم الاسلوب المتحضر الديمقراطي الذي كان يتعامل به مع ابنته وزوجته .. الا انه لم يدعهما يوماً لحضور جلسات النقاش الرجالية التي كثيرا ما تمت في بيته ... كان يضع خطاً واضحاً بين نشاطه السياسي ومسئولياته العائلية ..
لم تفت نظرة الدهشة التي عبرت ملامح الدكتور عبد الله عيني البروفسير احمد نجيب الحادتين ... خرجت الكلمات من بين شفتيه بتركيز وبطء متعمد وهو يرد عليه : اوعدك انك حتفهم كل شئ بحضور مداد نادين ... خرج الزوج الحائر الى حيث تجلس زوجته وهي تحتضن طفليها بعد ان اغلقت جهاز التلفزيون وظلت عيناها معلقان بالفراغ ... عندما اخبرها بطلب الزوار لم تندهش .. دخلت غرفتها واحضرت احد الثياب التي تركتها امها لديها قبل ذهابها في الرحلة المشئومة مع ابيها ... ارتدته بحرفية اصيلة ووضعته على راسها بحرص ثم تبعت زوجها الى الداخل ...
ما ان وظات قدماها ارض الغرفة حتى هبّ الجميع وقوفا وارتفعت الاكف وانخفضت الرؤوس بينما كانت الشفاه تتمتم بخشوع ... انتظر كل دوره في مصافحة الابنة الحزينة ... وعندما اتى دور البروفسير أحمد نجيب ..ز احتضنها بقوة ... فقد كانت بمثابة ابنته ... وشهد كل مراحل حياتها منذ ولادتها وحتى الان ... فقد كان الدكتور محجوب من اقرب اصدقائه واكثرهم التصاقا به برغم الاختلافات الجوهرية في طريقة تفكير كل منهما ...
احاط كتفيها بذراعه وقاد خطواتها حتى اجلسها بقربه في الاريكة الناعمة وبدا يتكلم بصوت مهزوز : نادين ... لازم تعرفي انو ابوك الله يرحمه مات في سبيل هدف عظيم ... هدف حلم كلنا بنسعى ليهو من سنين مش لينا احنا وبس... لشعب كامل اتجرع الظلم لمن اتشرق بيهو ... شعب تعبان .. بائس يائس ... مظلوم ومسروق .. شعب مستني الخلاص .. المرحوم كان بيحاول يفتح باب الخلاص دة لكن الجلادين ما ادوه فرصة .. وصلوا ليهو .. قفلوا الباب وختموه بدمه الطاهر ودم الناس الوقفوا معاه بكل شرف ... الخسارة فادحة .. مش ليك او لينا ... لشعب كامل ... عشان كدة احنا لازم ما نخلي الدم السال دة يروح هدر ... لازم يكون ليهو تمن ... وكلنا عارفين منو المفروض يدفع التمن ... توقف عن الكلام برهة .. درات عيناه في وجوه الحضور المتحمس من جراء كلماته القوية .. عبأ صدره بالهواء ثم اطلق زفرة طويلة رمى بعدها قنبلته في وجه نادين وزوجها :
نادين ... احنا قررنا نرشحك لرئاسة الجمهورية ...

المشهد الرابع
السودان – العاصمة الخرطوم – مطار الخرطوم الدولي .

عندما توقفت الطائرة الصغيرة في منطقة بعيدة داخل المطار ارتفعت درجة التوجس بين الحضور الذي كان ينتظر في طرف المدرّج ... هدأ صوت المحرك وببطء نزل السلم من جوف الطائرة ..في فتحة الباب ظهرت امراة شابة ترتدي بذلة انيقة باللون الرمادي الفاتح تحتضن جسدها النحيل بينما انعكس لون القميص الحريري الابيض على وجهها الاسمر الخالي من الزينة واختفت عيناها خلف نظارة سوداء كبيرة ... خطت اولى خطواتها على السلم ثم توقفت عندما تناهى الى اذنيها صوت هدير عال ياتي من بعيد ... صوت كموج بحر هائج اثار القشعريرة في جسدها .. احست بالخوف ... بالغربة ... بالرغبة في العودة الى وطنها ( سويسرا ) فهي لم تعرف وطنا غيره ... هناك ولدت وكبرت وتعلمت ... هناك تزوجت وانجبت اطفالها ... هناك احست بالامان والحرية .. السودان بالنسبة لها كان محطة صغيرة تاتيها بين حين وآخر ولا تبقى فيها طويلاً ... السودان حيث قتل اباها ومن قبله جدها ...
افكارها التي كانت تتصادم في عقلها جعلتها تشعر بالتردد والندم على قرارها بالخضوع لضغط البروفسير احمد نجيب ... كانت حجته قوية ومقنعة ... استطاع التغلب على خوفها وعدم رغبة زوجها في تورطها في هذا الامر ... تذكرت كلماته وهي ما زالت تتامل المنظر من اعلى سلم الطائرة : نادين يا بتنا .. عاوزك تفكري في الموضوع بهدوء وعقلانية قبل ما تردي ... اتت كلماته بعد الشهقة التي خرجت من فم نادين عقب تصريحه برغبتهم توليها الحكم في السودان .. واصل بنفس الصوت الواثق المصمم : انا عارف انو كلامي حيبدو ليك غريب ومخيف بالذات في ظل الظروف الحاصلة هناك حالياً لكن لو فكرتي فيهو شوية حتلقيهو عين العقل ... ويمكن كمان يكون المخرج الوحيد لبلدنا من الحاصل فيها ... نادين البلد ماشة من سيئ لأسوا ... ثورة الشعب وصلت مرحلة خطيرة ... الشوارع بقت حمامات دم ... النهب والسلب والاغتصاب بقى شئ يومي وعادي ... انعدم الامان وعمت الفوضى ... حتى مليشيات الجيش فقدت السيطرة على أي شئ .. وهي اصلا بقت منقسمة ما بين مؤيدة ومعارضة للثورة ... واحنا سمعنا من مصادر موثوقة انو الجزء الموالي بدا يسلح الشعب لكن دة شئ ما مطمئن لانو بعد شوية حتنقلب حرب شاملة لا تبقي ولا تذر ... يا نادين البلد بتنهار والناس بتموت بالعشرات كل يوم ... احنا لازم نعمل شئ يوقف الانهيار دة
وكانما استنفذ الكلام كل قواه .. لاذ البروفسير احمد نجيب بالصمت الذي اصبح ثقيل الوطاة ... وفجاة ارتفع صوت الدكتور عبد الله بانزعاج : استميحكم عذراً على تدخلي في نقاشكم ... فانا لم اعتد المشاركة في كل نقاشاتكم السابقة حول شئون بلدكم ولكن ما تقترحونه الان هو شئ غير مقبول وغير مفهوم وغير منطقي ... ايها السادة في حال نسيتم لقد قتل والد زوجتي بالامس القريب كما قتل اباه منذ عهد بعيد .. انكم شعب يقتل بعضه بعضاً ... لكن المضحك في الامر انكم تقتلون الاخيار وتدعون الاشرار ... لا تتعلمون من اخطاءكم السابقة وتنتظرون معجزة من السماء لتحل لكم وضعكم الميؤس منه .. ارجو ان لا تاملوا بان تكون زوجتي هي معجزتكم المنتظرة ؟؟ انها حتى لا تحمل جواز سوداني فكيف تتوقعون منها ان تصبح رئيسة لدولة لا تحمل هويتها ؟؟ هل خلا بلدكم من راغبي السلطة حتى تاتوا وتطلبوا منها ان تتولى زمام الامور وتنظيم الفوضى في بلد اغتال اباها وجدها ؟؟ بلد تعرفه نظرياً ولم تعش فيه فعلياً ؟؟ ...
ادهشت ثورة الدكتور عبد الله الجميع بما فيهم زوجته التي التزمت الصمت برهة قصيرة ثم ارتفع صوتها الحزين وهي تخاطب الجمع المتلهف لسماع رائيها ..نطقت بلهجة سودانية صميمة لم تتاثر بالاربع لغات التي تتقنها ... يا جماعة اول شئ انا باشكركم على جيتكم وعلى تفكيركم فيني بالصورة الايجابية دي ... لكن انا باتفق مع زوجي في انو اقتراحكم ما مفهوم وما منطقي ... اكيد أي واحد من القاعدين هنا اجدر مني بتولي المنصب العرضتوه علي ... كلكم اكثر دراية بالسودان وظروفه ومشاكله ... يمكن انا الوالد الله يرحمه كان حريص اني اعرف كل شئ عن بلدي ... حفظني اسماء المدن وتوزيعات القبائل لقنني التاريخ من ايام الاستعمار ولغاية قبل ما يقتلوه بيومين ... خلاني انطق اسماء القري والشوارع واحفظها عن ظهر قلب ... حكى لي عن الناس والاحوال قبل ما يجي النظام دة ... لكن في النهاية دي كلها بتظل معرفة نظرية ... انا بامشي السودان مرة في السنة ... وباقعد فيه اقل من شهر ... يعني في الواقع انا غريبة عن البلد تماماً حتى جواز وجنسية ما عندي ... بالاضافة لكدة ما عندي الرغبة او المقدرة اني اتعامل مع مشاكلو والقى ليها حلول ... الا اذا كنتوا عاوزين رئيس مجرد صورة بس ما ليها أي دور فعلي ... واجهة لناس تانيين هم اليديروا ويحكموا ... ودة شئ مرفوض تماما بالنسبة لي .. عشان كدة انا باشكركم مرة تانية لكن باعتذر عن قبول عرضكم ... ارتسمت نظرات الخيبة في جميع الوجوه ... الا وجه بروفسير احمد الذي يبدو انه لا يقبل كلمة لا كجواب فاستلم دفة الحديث :
شوفي يا نادين .. احنا ما اخترناك عبطاً ولا مجاملة ولا بصورة عشوائية ... احنا اخترناك بعد تفكير عميق في كل الملابسات والظروف الحالية الحاصلة هناك ... ختينا في اعتبارنا مصلحة البلد في المقام الاول .. عشان كدة اختيارنا جاء نتيجة لاسباب منطقية جداً ومعقولة جداً ...
يا نادين شعبنا تعبان وحزين ومحبط ... متخبط وما عارف يثق في منو ... محتاج لدم جديد وفكر جديد .. محتاج لقيادة حكيمة ونزيهة ... قيادة مثقفة وعندها مقدرة تتواصل مع كل فئات الشعب .. واهم شئ تكون قيادة مدنية وبعيدة عن العساكر ...
انتي صحي اتولدتي وعشتي برة السودان .. لكن وجدانك سوداني مية في المية ... عندك ارث لا يضاهى من الثقة والمحبة والتعاطف في قلوب السودانيين .. عندك سمعة ابوك الله يرحمه ونضاله ودمه البذله رخيص عشان الوطن الغالي ..ومن قبله جدك الله يرحمه ... الناس هناك كانت مستسلمة وخاضعة لفترة طويلة شديد .. كم سنة ؟؟؟ قريب 30 سنة ؟؟؟ لمن خلاص الدنيا كلها اقتنعت اننا مرتاحين ومبسوطين عشان كدة مستكينين ... ما كانوا عارفين انو الشهب ساكت قهر وياس ... مستسلم خوف من انو الجاي يكون اسوا من المشى ... الناس هناك كانت عاملة زي الزومبي حية وميتة في نفس الوقت .. لانو كل شئ كان وصل الحضيض .. حتى سمعتنا ومصداقيتنا كدولة وصلت الحضيض .. ولما قرر ابوك انو دة الوقت المفروض فيهو نبدا نعمل حاجة عشان نصلح الوضع وشال روحه في كفه ورجع السودان ... بمجرد ما خت رجله في البلد احيا الامل وكل الناس وقفت وراه ... ما كان في ايده شئ غير مجرد احتمال ورغبة في احداث تغيير ..وشوفي بمجرد احتمال الشعب عمل شنو ؟؟ خايفة من الرئاسة ؟؟ ما حاقول ليك ما تخافي .. ولا حاقول انو المهمة المنتظراك هينة ... بس حاقول ليك انو السياسة دي زي حلة الطبيخ الانتي بتسويها كل يوم في مطبخك .. بقدر ما بتجيديها وبتكوني حريصة تختى جواها كل الحاجات االبتخليها متقنة بيطلع طعمها حلو وشكلها حلو وريحتها حلوة .. السياسة ما محتاجة عالم او ساحر ... السياسة عاوزة طباخ ماهر ... وانتي طباخة ماهرة بالفطرة وبالوراثة ... كلنا حنكون مساعدينك في المطبخ دة .. حنقيف معاك جنبك ووراك نسندك ونوجهك لو احتجتي توجيه ... وفي نفس المطبخ حيكون معاك شعب كامل بيديك دعم ما ليه حدود لانو شعب عنده سؤ تغذية ومحتاج وجبة دسمة عشان يسترد صحته وعافيته
بالنسبة لجوازك وجنسيتك دة ابدا ما اشكال ... وعمر الهوية ما كانت مرتبطة بورق ... انتي وانا وكل الناس عارفين انك سودانية بت سودانية بت سوداني ... وبكرة الصباح يكون عندك الورق مش الهوية .. لانو هويتك معروفة من زمان ...
نادين البلد محتاجة ليك .. ما تديها ضهرك .. دم ابوك وجدك بيصرخوا طالبين الثار من الجلادين القتلة ... وما تنسي انو امك الحاجة فاطمة قاعدة هناك وما قادرة تطلع لانو المطار مقفول ...
ذكرى امها الحبيبة جعلتها ترتعش خوفا عليها فهي كل ما بقى لها ... لقد ضرب هذا الرجل الثعلب على اوتارها الصحيحة دم ابيها وجدها ... وامها المحتجزة في وطنها ...
واصل البروفسير حديثه الذي وجد صدى في قلب نادين المتعب واصبح صوته خفيضاً وعميقاً : نادين احنا قدامنا خيارين ما عندهم تالت .. قبولك تمشي السودان وتمسكي الحكم ولو لفترة مؤقتة لغاية ما الامور تتنظم .. ودة حيكون حل لحاجات كتيرة ما حتعرفي مداها الا لمن تكوني هناك .. أو رفضك ودة معناها استمرار سيلان الدم والاسوا منه احتمال دخول قوات دولية السودان عشان تسيطر على الوضع ... ركّز نظراته في عمق عينيها وهو ينطق جملته الاخيرة .. وانتي عارفة يعني شنو قوات دولية تدخل السودان وتحكمه ..
لفحة الهواء الحاء اعادت نادين الى الواقع ... انها هنا في السودان ... في بلد القتلة والمساكين ... بلد الغنى والفقر ... بلد الجوع والمرض ... بلد المتناقضات ... وسوف تصبح رئيسة جمهورية ...





المشهد الخامس
احد البيوت الآمنة في اطراف العاصمة

كان المنزل الكائن في شارع هادئ باحد الاحياء الجديدة في اطراف العاصمة يتميز بتصميم بسيط غير ملفت ... كان من صممه يفتقر الى الخيال المهندسي ويميل الى النمطية ... من بعيد لا يبدو مختلفا عن بقية المنازل المتناثرة في المنطقة ... لكن عند الاقتراب منه لا يملك المرء الا ان يلاحظ السور الذي بني باحجار جبلية داكنة وبعلو اكثر من المتعارف عليه .. واذا دقق النظر يمكنه ان يكتشف كاميرات المراقبة الموزعة بدقة حتى تغطي اكبر مساحة من المحيط المجاور ... توج السور العالي بحلقات متداخلة ملتفة من السلك الشائك الصعب الاختراق ...
داخل الباحة المحيطة بالمنزل تناثر عدد من الرجال بعضهم بملابس عسكرية وبعضهم يرتدي ملابس مدنية .. كانت السمة المشتركة بينهم هي الاسلحة الاتوماتيكية المتطورة التي يحملونها .. ونظرات التوتر التي يتبادلونها عند سماع أي صوت حتى لو كان صوت طائر صغير يمر في السماء .. كانوا يحيطون بالمبنى احاطة السوار بالمعصم .. خطواتهم خفيفة ولا تسمع لها صدى ... يتبادلون الحديث باشارات ساكنة ...
في الداخل كان الجو اكثر توتراً اختلط صراخ الاطفال مع نقاش الكبار ... على ارضية الصالة الواسعة المفروشة بافخم انواع السجاد تناثرت مجموعة كبيرة من الشنط بكل الاحجام والمقاسات ... كانت الفوضى العارمة تعم المكان ... في الطابق العلوي وفي احدى الغرف المغلقة وقف رجل يرتدي الزي العسكري المزين بنياشين تدل على انه وصل اعلى رتبة في سلم العسكرية ... كانت خطواته تزرع الغرفة طولاً وعرضاً .. علت وجهه تقطيبة حادة جعلت الاربعة الآخرين المتواجدين معه يلوذون بالصمت ... توجه الى النافذة العريضة التي تغطي نصف مساحة الحائط ووقف متسربلا بصمته وهو يتامل السماء التي تلونت بالدخان من جراء الحرائق المشتعلة في اماكن متفرقة من قلب واطراف العاصمة ... تمتم بجمل هامسة ثم استدارمخاطباً مرافقيه :
يعني خلاص دة الحل الوحيد ؟؟ نطلع نخلي البلد ؟؟ فشلتوا انكم تسيطروا على الوضع ؟؟؟ كل الجيش وكل السلاح التحت يدكم دة وما قادرين على حبة عيال وكمان ما مسلحين ؟؟!!
بدا صوته يرتجف من فرط الانفعال وتجاوبت خطواته مع القلق الذي صاحب كلماته : اطلع كيف يعني ؟؟ عاوزين يقولوا علي هربت ؟؟ وامشي وين ؟؟ ياتو بلد حترضى تقبلني بالذات اننا في الفترة الاخيرة خربنا علاقتنا مع معظم الدول ؟؟ وبعدين كيف اعيش انسان عادي بعد ما تعودت اكون رئيس الفترة الفاتت دي كلها ؟؟!! وقسماً بالله العظيم لو كنت عارف انو دة حيحصل كنت عملت حسابي في حاجات كتيرة من زمان ... وعلي الطلاق بالتلاتة دة شعب يستاهل الحرق ... هو احنا عملنا ليهو شنو اكتر من القبلنا ؟؟ والله العظيم دة ...
قاطعه احد المرافقين الذي تدل نياشه بانه يقل عنه قليلاً في الرتبة العسكرية : يا سيادة الرئيس خلاص ما في داعي للحلفان الكتير ... احنا برانا وما معانا زول غريب ... وبعدين انت عارف انو الموضوع اكبر من شوية عيال عزّل ما قدرنا نلجمهم ... المرة دي الوضع مختلف ... الموضوع اتطور من احتجاج بسيط على زيادة تافهة في اسعار العيش والسكر والبنزين لثورة عارمة وطبعا هواة الصيد في الموية العكرانة لقوها فرصة وشحنوا الناس ضدنا ... لمن الموضوع كبر وما قدرنا نلمه زي كل مرة ... دي اكبر ثورة حصلت في تاريخ السودان من سنة 56 ولغاية الان كل الفات قصادها لعب عيال .. الناس قامت من حلفا لنمولي ومن سواكن لكردفان ... ثم اضاف بلهجة ساخرة ... سبحان الله الشعب السوداني الما قدرت اتفاقيات السلام كلها توحده .. وحدته الثورة دي ... والزاد الطين بلة انو مليشيات الجيش كلها بقت رافضة تماما تنزل الشارع ... كلهم خايفين وعارفين انهم حتى لو نزلوا الشارع القضية خسرانة ... واضافة لكدة الناس بقت لو شافت أي عسكري بيتلموا عليه ويضربوه لمن يموت .. لدرجة العساكر قلعوا زيهم رموهو ورجعوا بيوتهم ...
استلم آخر دفة الحديث وتكلم بصوت حاد كالصرير : وبعدين يا سيادة الرئيس احنا لازم نطلع وباسرع ما يمكن قبل ما يكتشفوا مكاننا ... صحي البيت دة من البيوت الآمنة الما بتعرفها الا قلة قليلة شديد من ناسنا لكن ما بقى في ضمان يمكن زول يفكر يعمل فيها بطل ويسلمنا عشان ينقذ نفسه ولو دة حصل في غمضة عين كلنا بنروح في ستين داهية ... وانت عارف سيادتك انو المؤسسة العسكرية بقت متعددة الولاءت ..كل ميليشيا بتطيع القائد الهي تابعة ليهو وبس ... وبعدين سيادتك ما يقولوا هرب ... لا حتكون اول ولا آخر الهربوا ... هو يعني انت حتهرب من الجنة ؟؟!! وما تشيل هم تمشي وين وتعيش كيف ... طالما الانسان بيملك كلمة السر بيقدر يفتح كل الابواب بدون تعب ... واحنا عندنا كلمة السر دي وطالما احنا طالعين بالمعانا دة كلو غير الطلعناهو برة من زمان صدقني حنعيش اباطرة ... وكلها عشرة ولا خمستاشر سنة ونجي راجعين كانوا ما حصل شئ ويمكن تلقى ناس تستقبلك كانك الابن الضال العائد لحظيرة الوطن .. ما تخاف يا سيدة الرئيس شعبنا دة شعب طيب وبينسى سريع .. خصوصا بعد ما التجارب اثبتت انو أي خلف جا كان اسوا من سلفه وبيخلي الناس تقعد تتحسر على الايام الفاتت ..
كان الحديث بينهم ككرة يتقاذفونها ببراعة من فم لآخر ... نطق ثالث الرفاق بصوت عميق : سمعت من مصدر موثوق به انو الجماعة البرة جابوا بت دكتور محجوب عشان تمسك البلد ... كانت كلماته كقنبلة صمت ألقيت وسط الغرفة فاحتبست الاصوات في الحناجر واحتتقنت الوجوه .. واخيراً انفجر رابع الرفاق ضاحكاً بصوت هستيري : منو ؟؟!! بت دكتور محجوب ؟؟؟ الشافعة الما قامت من قعر الواطة دي ؟؟ تحكم البلد ؟؟ ليه ؟؟ المعارضة الجوة والبرة دي كلها ما فيها راجل يملا العين لمن جايبين مرة تحكم البلد ؟؟ والله دة كلام .. وجلجلت ضحكاته العالية حتى وصلت خارج جدران الغرفة السميكة وجعلت رجال الامن الواقفين امام باب الغرفة يتبادلون نظرات مندهشة ...
رفع الرئيس يده فتوقفت الضحكات على الفور وتنحنح صاحبها معتذراً ...
خرجت الكلمات من فم الرئيس بطيئة وممطوطة : انا من البداية كنت رافض فكرة انكم تغتالوا الزول دة لاني كنت حاسي بكمية المشاكل الحتصل بسبب الموضوع دة بس انتوا ما سمعتوا كلامي واصريتوا تقتلوه وشوفوا المصايب الجاتنا من وراه ... وهسة كمان بته جاية تمسك البلد ؟؟؟ يبقى بالجد ما في طريقة قعدة لانها بالتاكيد لو مسكت حتكون عاوز تاخد الثار وما حترحمنا ... اتجه بكلماته الآمرة الى من يليه رتبة : جهزوا الطيارات وشوفوا أي دولة عندنا معاها تعامل خاص وعن طريق قنوات سرية حددوا حنمشي وين ... اهم شئ الشنط دي تطلع قبالنا لانو بيها حنشتري الولاء والامان ومن دونها حنضيع ... دبروا طيارة لي انا وزوجاتي الاربعة والاولاد وانتو معاي وكل واحد فيكم ما ضروري يسوق حريمه كلهم يعني واحدة ولا اتنين كفاية وخلوا الباقيات هنا لو الظروف ساعدت بنرسل ليهم ولو ما قدرنا خلاص يقعدوا قبلهم ... ديل نسوان وما في زول حيعمل ليهم حاجة ... الباقيين خليهم يتصرفوا بطريقتهم احنا ما حنقدر نسوق العالم دة كلو معانا ...


المشهد السادس
مناظر خارجية مختلفة
المنظر الاول – الشارع ...
كانت نظرات نادين تجول فيما تراه خارج السيارة من خلال الزجاج المغلق ... شدة الزحام جعلت السيارة تتحرك ببطء شديد برغم مجهودات الشباب الذين يرتدون ثيابا مدنية ويحاولون تنظيم الجمع المتدافع ... انتابتها مشاعر هي مزيج من الحزن والريبة الخوف والقلق ... الالم والخوف ... ما ان خرج الموكب خارج حدود المطار حتى ادركت سر الهدير الغامض الذي صافح اذنيها لحظة وقوفها في اعلى سلم الطائرة ... على جانبي الطريق اصطف الاف البشر وهم يحملون صورة والدها الحبيب .. نظرت اليها بعيون دامعة ثم اندهشت عندما وجدت آخرين يحملون صورتها واخذت تفكر من اين حصلوا عليها ؟؟ كانت الاصوات تاتيها واضحة برغم الزجاج المغلق وهي تصرخ بعبارات منغمة
" الثار الثار لدم محجوب "
" بالروح .. بالدم .. نفديك يا نادين "
" احنا معاك والله يرعاك "
كانت تتامل ظلال البؤس المرتسمة على الوجوه وسالت دموعها بغزارة لمراى هولاء الطيبون الذين اتوها يحملون فقرهم وعجزهم وسنين من الظلم ... اتوها يحملون املهم بغد افضل وحلم اخضر ... اصابتها نوبة رعب ... ما الذي ادخلت نفسها فيه ؟؟ لماذا لم تستمع لنصيحة زوجها الدكتور عبد الله وترفض الحضور الى هنا ؟؟؟ ملاها الشك في قدراتها وامكاناتها ...التفتت تطلب من البروفسير أحمد نجيب الذي كان برفقتها ان يعيد السيارة الى المطار ويامر سائق الطائرة باعادتها الى سويسرا .. في نفس اللحظة رن الهاتف النقال الذي تسلمته حال خروجها من المطار ... عندما ضغطت زر الاستقبال بحركة اتوماتيكية اتاها صوت الحاجة فاطمة باكياً : نادين ؟؟ انتي بالجد جيتي ؟؟ انا لمن قالوا لي ما صدقت ؟؟ احي على ابوك يا نادين ... شفتي الحصل ليهو ؟؟ وانخرطت في بكاء حار جعل نادين تنتحب بحرقة ووجع ودون ان ترد بحرف واحد ... اخيرا عندما استطاعت الكلام التفتت الى البروفسير أحمد نجيب : ودوني لامي بسرعة .



المنظر الثاني
بيت في احد الاحياء الشعبية بالعاصمة
كان الجمع الموجود خليط من الرجال والنساء والاطفال جلسوا في مقاعد مختلفة الاشكال والالوان في صدر المكان وقف رجل شاب وهو يقرا بصمت ورقة بين يديه ... اخيرا رفع راسه وخاطب الوجوه القلقة المتلهفة ...
جاتني معلومات مؤكدة انو باقي مليشيات الجيش الكانت لسة بتقاوم سلمت سلاحها للموالين لينا ... وكمان في اللحظة دي بت المرحوم الدكتور محجوب صالح الزين وصلت البلد و متجهة للقصر الجمهوري ... واذا الامور مشت كويس حتستلم الحكم ونبدا نعيد ترتيب البيت من جوة ... لانو في مجموعات استغلت الوضع الكان حاصل وكونت مليشيات خاصة بيها ناشرة الرعب في اطراف العاصمة وعاملة فيها انها جزء من الثوار ... عشان كدة اول ما الدكتورة نادين تمسك الحكم حنتفرغ احنا لتنظيف اسمنا من الناس الوسخوه ديل ...
ارتفع اللغط بين الحضور ورفع اكبر الرجال سنا يده طالباً الحديث ... وبدا كلامه بانفعال : لحظة يا جماعة ... انا ما قادر افهم كيف حنسلم حكم البلد بالبساطة دي لانسانة غريبة عننا تماما ... ما عندها أي خبرة ولا بتعرف أي شئ عن الوضع الحاصل ؟؟ هل بس لانو ابوها دكتور محجوب الله يرحمه ؟؟!! هل السبب دة براه بيخليها مؤهلة تحكم بلد زي السودان ؟؟ اشك في كدة ... يمكن تجربة توريث الحكم نفعت في سوريا والمغرب والاردن ومصر وليبيا ... لكن على الاقل بشار ومحمد وعلاء وقذاف الدم كانوا رجال وعاصروا الاباء خلال فترة حكمهم .. لكن بت المرحوم محجوب ما تنبطق عليها أي حاجة من الحاجات دي .. انا السمعته انها حتى ما عندها جواز ولا جنسية سودانية دي بتعرف شنو عن السودان ؟؟ عن عذاب الناس ومعاناتهم ؟؟ عن الجوع والمرض ؟؟ عن الفقر والحرب ؟؟ يا جماعة دي انسانة اتولدت وفي خشمها ملعقة دهب ... عاشت عمرها كله مرفهة ... يمكن معاناتها الوحيدة كانت انها تختار تلبس شنو لشغلها كل يوم او تحدد للطباخة تعمل اكل شنو ... كيف حتحس بينا ؟؟ كيف حتقدر تتعايش معانا ؟؟؟
وصمت الرجل المحتج وكانت انفاسه اللاهثة مسموعة في المكان من اقصاه لاقصاه ... ارتفعت همهمات التاييد بين الحضور فكلماته كانت منطقية وتحمل في طياتها الحقيقة ...
عندما تزايدت عبارات التاييد والمعارضة رفع رجل المنصة يده فعم الصمت على الفور ... خرج صوته مبحوحا من شدة الانفعال : تعرفوا يا جماعة احنا مشكلتنا الحقيقية البتخلينا دائما نرجع ورا شنو ؟؟!! اننا بنحكم على أي شئ بسرعة شديدة بدون ما نفكر كتير وبنخلي حكمنا دة هو اليوجه تصرفاتنا وما بنتخيل لحظة اننا حكمنا دة ممكن يكون غلط وبالتالي كل شئ بينيناهو عليهو غلط ... مشكلتنا اننا شعب انطباعي لحد التهور وبيتمسك بالانطباع الاول اطول لفترة ممكنة برغم الدلائل البتجي بعد الانطباع وتورينا انو ما صحيح ... عشان كدة مشينا ورا عبود وجينا قلنا ما دايرنه ومشينا ورا نميري وجينا قلنا ما ديرنه ... مشينا ورا الحكومة دي فترة طويلة جدا وبرضه جينا قلنا ما دايرنها ... عشان ننجح ونبقى شعب ليه مكان وسط العالمين لازم نتعلم اننا ما نمشي ورا افكارنا المسبقة ... لازم نتعلم كيف نفكر في الشئ الحاصل حسب ما هو بدون اوهام وخيالات كبيرة عشان احباطاتنا ما تكون كبيرة ...
بت دكتور محجوب جات تحكم البلد ؟؟ طيب مالو ... ما نديها فرصة ... يعني هي حتكون اسوا من الفاتو ؟؟؟ ما اظن ... ليه ؟؟؟ لانها انسانة متعلمة ومثقفة وواعية وعارفة الظروف البتمر بيها البلد .. وعلى عكس ما انتو متصورين بتعرف كل شئ عن السودان ... ولمن اقول كل شئ معناها كل شئ ... يكفي انو ابوها المرحوم دكتور محجوب صالح الزين عشان تكون بتعرف كل شئ ... وبعدين كيف تقولوا ما سودانية ؟؟!! عشان اتولدت واتربت في سويسرا ؟؟ انتو كلكم عارفين انو احنا السودانيين لو اتودلنا في القمر واتربينا في المريخ برضه حنفضل سودانيين ... لانو السودنة دي ما كم ورقة ختمتها السلطة وسمتها جنسية أو جواز عشان تثبت اننا سودانيين ... السودنة دي هوية موجودة في جيناتنا ... مزاج معجون فينا ... وجدان ما بينفصل عننا ولا بنفصل عنه ... السودنة دي هي البتخلي حريمنا يعوسوا الكسرة في شيكاغو ويطحنوا الويكة في سيدني ... هي البتخليهم يحفروا حفرة دخان في طرف حوش في ماليزيا .. وهي البتخلي التوب علم بيتوج هامة كل سودانية وين ما كانت ... هي البتخلي الجلابية والمركوب امتياز بنرفض نتخلى عنه مهما كبرنا ولا صغرنا ووين ما كنا ... السودنة دي هي البتخلينا لغاية هسة نفضل نشرب الحلو مر بالرغم من توفر حاجات تانية اسهل وارخص في رمضان ... وهي البتخلينا نقول الله لمن نشم ريحة بخور الصندل والتيمان ... السودنة دي هي الخلت دكتورة نادين تتخلى عن العز َوالراحة في سويسرا .. تخلي راجلها واولادها ووظيفتها عشان تجي للبلد الحزين التعبان دة ....
ثم اكمل جملته ساخراً .. يا جماعة انا رائي نديها فرصة ... ولو ما عجبتنا طريقتها .. ممكن تاني نعمل ثورة ونشيلها بيها ... ولا شنو ؟؟!!







المنظر الثالث
راكوبة في نهاية حوش كبير بمنزل في احدى قرى السودان ...

كان الرجل العجوز مضطجعاً على جنبه اليمين في (عنقريب) قصير مجدول بالحبال وهو يستمع الى الاخبار من راديو صغير موضوع على طاولة خشبية امامه ... يد تسند الراس الابيض واخرى تحمل كوب شاي احمر يتصاعد دخانه ناشرا اريج النعناع في المكان ... كانت طقطقات لسانه من فمه الخالي من الاسنان تدل على انزعاجه الشديد ...وهكذا وجدته حفيدته عندما اتت تحمل صينية مستطيلة بها كاس كبير من الحليب فقد لونه الابيض واصبح يميل الى الصفار ... اضافة الى صحن صغير يحتوى على تمر منقوع في الماء ... خاطبت الحفيدة جدها بحنان وحب ... فهو من تولى تربيتها بعد وفاة والدها في سن مبكرة عندما عادت بها ابنته الارملة الشابة الى بيته ورفضت الزواج كي تتفرغ لرعاية ابنتها ... : جدو كيف اصبحت ؟؟!! انت لسة ما خلصت الشاي ؟؟ انا جبت ليك الفطور ...
رد عليها بصوت قوي لا يتناسب مع اعوامه المائة وفمه الخالي من الاسنان .. تعرفي يا فريدة يا بت عبد الكريم الخير خلاص دة آخر الزمن ... والقيامة قربت تقوم ... نظر بامعان الى كوب الحليب : يا بت انتي ختيتي ملعقة السمنة البلدية في اللبن ولا سمعتي كلام امك الغبيانة .. كل يوم تنقنق فوق راسي وقال شنو ؟؟ شراب السمنة بيجيب المرض ... مرض شنو ؟؟ هو انا كان ما السمن البلدي السمح دة كان مت زمان ...
انتفضت الحفيدة لدى سماع كلمة الموت ووضعت الصينية من يدها بحرص ثم جلست بالقرب من جدها واحتضنته وقبلته في خده المتغضن .. بعد الشر عليك يا جدو عليك الله ما تجيب سيرة الموت دي قدامي ... كان تعتبره صديقها ومستشارها ودليلها ... مرجعها في شئون الحياة ... رد الجد السعيد بحب حفيدته ... ما اجيب سيرة الموت ؟؟؟ هو انا باقي لي شنو غير الموت ... يعني ماشي اخلّد في الدنيا دي ولا شنو ... كبيتي السمن ولا لا ؟؟ ردت الحفيدة بسرعة : كبيتوا يا جدو وكمان ختيت زيادة شوية من المعلقة الكبيرة ودة البلح بليته ليك من بالليل عشان يبقى طري شديد ... وبعدين يا جدو مالك علينا بتقول القيامة عاوزة تقوم ودة آخر الزمن .؟؟ الحاصل شنو ؟؟
عاد يا فريدة يا بتي لمن تحكمنا ( مــرة ) دي مش تبقى علامات الساعة وآخر الزمن ؟؟ يعني السودان دة كلو خلا من الرجال جايبين لينا ( الغلفا ) مرة النصراني دي عشان تحكمنا ؟؟ شن عرفها بينا الكافرة دي ؟؟ احتجت الحفيدة بحرارة .. : جدو ؟؟
شنو ؟؟ ما عجبك كلامي ؟؟ هو أنا قلت شنو غير الحقيقة ؟؟ ايوة ( غلفا ) وكافرة ؟؟ مش راجلها نصراني تبقى هي كافرة ... انتي قايلاني خلاس كبرت وما باعرف افرق بين الصح والغلط ؟؟ انا صحي قربت على المية سنة لكن انصح منك ومن امك الغبيانة .. وبعدين البت دي مش ابوها قتلوه قبال كم يوم ؟؟ لسة دمه ما برد وجات جارية تمسك الحكم ؟؟ هو ابوها دة زاتو مش ابوه قتلوا زمان وطلع خلى البلد .؟؟ الرجعو شنو تاني ؟؟ وناس الحزب بتاع ابوها ديل زاتهم عاوزين يبقوا ملكيين اكتر من الملك ... افكار حزبهم دي زمان اسيادها اتخلوا عنها وهم لسة ماسكين فيها ؟؟!! ... وكمان يتبجحوا ويقولوا ليك احنا اخدنا الفكر مش العقيدة .. فكر شنو ؟؟ هو في فكر احسن من فكر الاسلام ؟؟؟ في حكمة اكتر من حكمة القرآن ؟؟ .. ولا هو بس تقليد للناس البرة والسلام ؟؟ ..
كانت فريدة تتعامل مع جدها باحترام كبير .. فهو رجل متعلم ومثقف وان كان من الطراز القديم الذي يؤمن بدور المراة كزوجة وربة منزل فقط ... فحاولت ان تتناقش معه بهدوء : يا جدو دكتورة نادين دي انسانة ملسمة ... بتصلي وبتصوم وكمان مشت العمرة اكتر من مرة ... وبعدين راجلها ما نصراني ... راجلها مسلم .. هو صح اسلم قبل زواجهم بفترة بسيطة لكن الله هداه على يدها ودي براها تدخلها الجنة ... وكمان مشى الحج ... انا قريت عنها في الانترنيت في صفحات بتتكلم عن حياتها ونشاتها وتعليمها ووظيفتها وزواجها وكل شئ من يوم ما اتولدت لغاية هسة ... صدقني يا جدو دي انسانة جديرة بالاحترام ... واضافت بهمس يملؤه الحياء ... بعدين يا جدو انت مش عارف انو السودان كلو بقى ( اغلف ) بقرار حكومي ؟؟ وانو الحكومة من زمان منعت الخفاض وبتعاقب أي زول يمارسه بالسجن ؟؟
شمّر الجد كم جلبابه دلالة على الغيظ : ما هو دة الفلحت فيهو حكومة السجم والرماد ديك ... خلت أي شئ ومنعت الطهور .. عشان كدة البنات فسدن وانطلقن .. مالن نسوان زمان ؟؟ ما كانوا بيطهروهن وكل شئ تمام ... هسة بقى الطهور سبب كل المشاكل الفي الدنيا ؟؟صحي آخر الزمن !! ..وطقطق لسانه وهز راسه هزات متتالية وهو يلوك كلماته بعناد : ومهما قلتي ما حتخليني اغير رائي وحاقولها بالصوت العالي " ما عاجبني انو ( مـرة ) تحكم البلد .. وكمان واقفين وراها رجال ؟؟!! انشاء الله الرجالة تطير ... هم ما عارفين انو المرة كان بقت فاس ما بتقطع الراس ؟؟ ... وبعدين تعالي يا بت انتي بتدافعي عنها ليه ؟؟ اوعاك تكون الجامعة خربتك وانضميتي ليهم ؟؟ قبال سنة وقتين اتحجبتي فرحت بيك لكن شلت هم تكوني بقيتي مع حزب الخراب داك .. بس قلت لروحي بتي الربيتها مستحيل تبقي مع الناس الكعبين ديل ... كدي وريني انتي مع ياتو جماعة ؟؟
ضحكت الحفيدة بمرح وهي تضم جدها .. يا جدو حرام عليك انت عارف انا لا ديل ولا ديل بينفعوا معاي ... صحي كل مجموعة منهم ممكن يكون عندها ميزات كويسة ... لكن بالنسبة لي انا شايفة فيهم حاجات ما باقدر اتعامل معاها المجموعة الاولى بناتها سمجات وعندهم انفصام في الشخصية قبلوا حاجات ضد طبيعتهم وفطرتهم كنساء بس لانه حزبهم امرهم انهم يقبلوها ... نظرتهم للدنيا مسوّرة بحدود هم صنعوها بايدهم وما عاوزين يطلعوا منها برغم انهم ما مقتنعين بيها ... أما المجموعة التانية بناتها لسانهم طويل شديد ومسترجلات وعاملين فيها انهم فاهمين أي شئ في الدنيا وانو مافي زول زيهم ...
يا جدو انا بت سودانية عادية رباها راجل اصيل زيك عشان كدة طلعت متوازنة وطبيعية لا عندي تحفز تجاه الحواليني بدون سبب ولا محتاجة اثبت لاي زول اني كائن جدير بالاحترام لاني احترامي لنفسي هو البيفرض على الكل يحترمني وما ضروري اثبته بالصوت العالي وافتعال المشاكل ... باتعامل مع الدنيا بتلقائية وما باضيع وقتي في محاربة طواحين الهواء ... كل شئ عندي ليهو سبب وكل موقف ليهو اسلوب خاص يتعالج بيهو ... مش انت علمتني كدة ؟؟
ابتسم الفم الخالي بحبور وتمتم " عافي منك يا بت يا سودانية " برغم انو امك الغبيانة ابت تسمع كلامي لمن قلت ليها تطهرك .. لكن انتي بت زي الدهب وما بينخاف عليك ..
ردت الحفيدة بغمزة : يعني يا جدو ما عدم الطهور هو البيخلي البنات يفسدن ؟؟
هزّ الجد راسه بحكمة المائة عام التي يحملها : لا يا سودانية ..دة كلام ساكت باقوله ساعة الزعل .. الفساد دة عدوى يا بتي .. واحنا مشكلتنا فسادنا بدا فوق عشان كدة اتدحرج بسرعة وغرق كل شئ تحته .. ولو كان رب البيت بالدف ضارباً ... ما بتقدر نلوم اهل البيت لانهم بقوا رقاصين ... ولمن يفسد الراعي ... بتفسد الرعية ...
ثم رفع العجوز راسه بعناد : لكن برضه تحكمنا ( مــرة ) ؟؟!! والله دة آخر الزمن !!! والرجالة تطير !!!...


المشهد السابع
المنظر الاول – العاصمة واشنطن – البيت الابيض
كانت الساعة المعلقة في مواجهة المكتب الفخم من خشب المهوقني الداكن تشير الى الحادية عشرة والنصف مساء ... ساد الهدوء الا من اصوات متباعدة تسبح كالوهم في خيال متعب ... على كرسيها الوثير جلست رئيسة الولايات المتحدة وهي تعبث بقلادة مخفية تحت قبة قميصها الحريري ونظراتها الساهمة تحدق في اللاشئ ... فتح باب المكتب بعد طرقات خفيفة ودخل منه رجل حاد الملامح يحمل نظرة ثعلب وحركة ثعبان ... ابتسم محيياً الرئيسة التي عادت من شرودها وردت عليه باحترام ... مرحباً ريتشارد .. كيف تسير الامور ؟؟
جلس بدون ان ينتظر دعوة ... فتح صندوق خشب الورد الموجود في الطاولة الصغيرة امامه ... تناول السيجار الكوبي الفخم ... اشعله بتؤدة ثم اجابها : ان الامور تسير بافضل من افضل توقعاتنا ... ابتسم ساخراً انها المرة الاولى التي ندخل فيها بلداً دون ان نريق قطرة دم واحدة او نتكبد سنتاً واحداً ... الامر لم يحتاج منا الى اكثر من رجل شديد الولاء لنا ويملك قدرة هائلة على الاقناع استطاع بها ان يجعل شعباً كاملاً يؤمن بان الخلاص سوف يكون على يديه ... لا ادري لماذا لم نلجا لهذه الطريقة عندما غزونا سوريا وايران وليبيا ؟؟ كنا وفرنا على انفسنا الكثير من الاموال والدماء ... والانتقادات .. الآن فقط ادركت بان اجمل الاعمال هي التي تتم من وراء الكواليس ...
ردت الرئيسة بصوتها المبحوح : اننا نتعلم يا عزيزي ... هؤلاء العرب لا يمكن التعامل معهم باسلوب واحد .. كل دولة تحتاج الى طريقة مختلفة عن الاخرى ... كل دولة لها مفتاحها .. بعضهم مفتاحه المال ... وآخرون نلوح لهم بجزرة المساعدات او الحماية ... والبعض الاخر مفتاحه مجرد كلام حتى لا نحتاج ان نقوله بانفسنا ... لكنهم جميعا يجتمعون في صفة واحدة " الغباء " فهم لا يدركون بانهم يفتحون لنا ابوابهم بانفسهم ويدعوننا للدخول ... ولا يدركون ما حدث لهم الا بعد فوات الاوان ... نحن نفوقهم ذكاء ... وذكاءنا وحده سوف يجعلنا قريباً نسيطر على كل ما كان لنا منذ زمن طويل ... من النيل الى الفرات .. لحظتها لمعت عيناها وتوقفت يدها عن العبث بالقلادة اخرجتها من تحت قميصها ونظرت اليها بوله وهي تتامل حبات الماس التي تلمع في خلفية من الذهب الابيض مشكلة نجمة خماسية الاضلاع ... واعقبت النظرة المتواطئة بين الثعلب وربيبته ضحكة مدوية ...

المنظر الثاني
العاصمة الخرطوم – القصر الجمهوري
جلست نادين وراء مكتبها وبين يديها عدد لايستهان به من الملفات والاوراق ... كانت تبدو متعبة وارتسمت دوائر سوداء حول عينيها الحزينتين ... على الكراسي المواجهة لها جلس البروفسير أحمد نجيب والبروفسير جلال حمدين الذي طلبته نادين على عجل من مقر عمله بالمانيا حيث يشغل منصب مستشار اول بوزارة المالية ... كانت دراسته وخبرته الطويلة في ضبط الموازنات الحكومية مثار فخر لكل السودانيين ... وبرغم حصوله على الجنسيتين الالمانية والكندية الا انه لم يتنازل قط عن جنسيته السودانية .. في الطرف الآخر من الغرفة جلس الدكتور أمير جادين وهو ما زال بملابس السفر بعد ان تم استدعاوه من ايرلندا حيث يعمل كاستشاري في وزارة الصحة ... وفي مواجهته جلست الدكتورة فتحية ابو العزائم التي وصلت قبله بساعات من الدوحة بعد ان تركت وراءها عدد كبير من الطلبة في قاعة المحاضرات بجامعة قطر وهم يستعدون لمحاضرتها الاسبوعية عن الاساليب المتطورة في التعليم من خلال خلق الروابط بين الطالب والمعلم ... برغم منصبها كمديرة للجامعة ... الا انها كانت تلقى محاضرة اسبوعية يحرص كل الاساتذة على حضورها بسبب تميز المواضيع التي تطرحها الدكتورة في مجالات التعليم المختلفة ...
رفعت نادين راسها وخاطبت الجمع الفريد : يا جماعة ... اول شئ انا مدينة ليكم كلكم باعتذار وشكر الاعتذار لاني طلبتكم على عجل بدون انذار وانا عارفة انو بعض منكم حيكون خلى ارتباطات مسبقة الشكر لاستجابتكم السريعة للنداء ... الموضوع ما محتاج كلام كتير ... البلد محتاجة ليكم .. انا متاكدة انو كل واحد فيكم ليهو وضع مميز في المكان الجا منو ... انا ما حاوعدكم انكم تلقوا نفس الوضع المميز دة ... لكن بس حاقول ليكم انكم حتبقوا ناس مميزين ... مش عشان المناصب الحتمسكوها ... لا ... عشان الشئ الانتو حتعملوه للبلد ولناس البلد ... السودان بيمر بمرحلة حرجة جداً ... الشعب تعبان ومجروح ومحتاج ليد نضيفة تضمد جرحه وتزيل تعبه ... السودان محتاج لناس يختوه في الاول قبل مصالحهم ... من هسة العنده الاستعداد يقعد ... والما عنده ما حالومه لانه دة خيار مليان تضحيات ... ملان معاناة .. وما عنده مقابل مجزي ...
رفعت الدكتورة فتحية يدها طلبا للكلام ... يا دكتورة نادين بدون شعارات فارغة جوفاء ... السودان دة بلدنا واحنا فداهو ... اعتقد انو معظمنا لمن طلع ما كانت مشكلة مادية بحتة ... يمكن العائد المادي المرتفع كان حافز قوي عشان نطلع ... لكن السبب الاساسي كان الاوضاع الحاصلة وضغطت علينا وخلتنا نقرر نسيب البلد ... انا عن نفسي مستعدة ارجع لو محتاجين لي وفي أي مكان تختاروه ..
كانت عبارات التاييد تتدافع من بقية العقد الفريد ... وعلى وجه نادين المتعب تدحرجت دموع الفرح والامتنان وارتسمت ابتسامة السعادة ...
على وجه البروفسير أحمد نجيب عزّ الدين ارتسمت تقطيبة حادة ونظرة غامضة غريبة ...

المنظر الثاني
حي هاواي الجديد - قصر البروفسير احمد نجيب
امام البوابة الحديدية الفخمة تراصت عدة سيارات حديثة الطراز ومعظمها يحمل لوحات دبلوماسية ..من فتحات السور ظهرت حديقة منسقة بذوق باذخ .. مفصولة بممر طويل من الرخام الوردي يصل حتى بوابة القصر الداخلية المصنوعة من الحديد المشغول باشكال هندسية وورود بارزة بالوان النحاس والذهب معكوسة في الخلفية المصنوعة من الزجاج المعشق ... داخل الصالة الفسيحة كانت اطقم الجلوس الموزعة بذوق تعكس مدى ثراء اصحاب البيت ... في احد الاركان جلس البروفسير أحمد نجيب وكان برفقته ما لايقل عن سبعة اشخاص يدور بينهم نقاش جاد صرف انتباههم عن شرب الشاى الذي توقف دخانه عن التصاعد منذ وقت طويل
كانت لهجة البروفسير الامريكية الصرفة مليئة بالعصبية والحّدة : آخر شئ اتخيلته انها تهمش رائي وتصر على استدعاء ناس من برة عشان يكونوا حكومتها الجديدة ... انا كنت محضر ليها لستة جاهزة فيها اسماء ناس كلهم موالين لينا وحينفذوا كل الاحنا عاوزينه ومخططين ليهو بدون نقاش ... شافت اللستة وطلبت مهلة يومين تفكر فيهم وفاجأتني ثالت يوم بلستة تانية خالص ... ولا اسم من الاسماء الانا مرشحها ما فيها ... وعادت به الذاكرة الى النقاش الذي دار بينه وبين نادين عقب رفضها لقائمة مرشحيه ... كانت تخاطبه بادب وبرود .. في صوتها ونظرة عينيها تصميم ذكره بابيها الراحل : عمو احمد انت عارف انا باحترم رايك قدر شنو ... وما باحب انزل ليك كلمة ... ومن يوم ما رجعنا وانا خاتاك في محل الوالد الله يرحمه وبالجا ليك في كل صغيرة وكبيرة ... لكن بالنسبة للاسماء الانت مرشحها انا درست كل اسم على حدة بعد ما طلبت معلومات كتيرة عنهم ... وبصراحة بعد العرفته عندي تحفظات قوية عليهم وما مقتنعة انو هم ديل الناي الممكن اعمل منهم حكومتي ... يمكن هم كاسماء كانت معارضة بشدة للنظام الفات ما عليهم كلام ... لكن السؤال المطروح هو هل كل من كان معارض بيصلح يمسك منصب حساس ؟؟!! ما اعتقد ... وانت اكتر واحد يا عمو احمد عارف الشئ دة لانو التجارب الحصلت زمان وانت عاصرتها اثبتت انو ما شرط أي معارض لنظام سابق يكون جزء من الحكومة الحالية ... البلد بتمر بمرحلة حرجة يا عمو واحنا محتاجين ناس تشتغل باخلاص ونكران ذات ما ليه حد ... بياعين الكلام ما لازميننا ... ثم ثبتت نظراتها على عينيه وهي تساله بدهاء امراة لا تقبل المداهنة ... بعدين يا عمو احمد انت لمن عندك حكومة جاهزة في لستة محضرة مسبقاً ليه تعبت وجبتني هنا ؟؟ ما كان تخت أي واحد من ناسك ديل ؟؟!! ولا انا عاوزيني اكون مجرد واجهة ... دمية ما ليها دور ؟؟ سامحني يا عمو اذا اعتذرت اني العب الدور دة لاني ما باجيده واذا اصلا الوضع كدة انا بافضل انسحب من هسة ارجع سويسرا واخليك انت تكون الحكومة العاوزها ...
صممت فترة كأنها تعطيه فرصة ليستوعب مغزى كلماتها ... كان صمته المحرج اكبر دليل على وصول رسالتها بشكل واضح ... رفعت ورقة من مكتبها واعطتها له وهي تبتسم ... عمو احمد ... ديل الناس الانا عاوزاهم معاي في الحكومة ... متاكدة انك حتقدر توصل ليهم وتطلب منهم يجوا يقابلوني باقصة سرعة ممكنة .
افاق من شروده على صوت ريتشارد عزرا المنزعج وهو يساله : ما معنى هذا ؟؟ هل فقدنا السيطرة على الوضع هنا يا بروفسير ؟؟؟ لقد احضرناك هنا لهدف معين .. ووعدتنا بان كل شئ سيكون تحت سيطرتنا خلال فترة وجيزة ... كنا نملك البديل لتولي السلطة ولكن انت من قام بترشيح هذه الطفلة كي تتولى الحكم بعد ان اقنعتنا بقدرتك على توجيهها في الاتجاه الذي يخدم مصالحنا ويعزز وجودنا ... كيف تفاجئنا الان بانها رفضت كل رجالنا وطالبت بحضور نكرات كي يمسكوا زمام الامور ؟؟ هل تخبرني بان كل هذا التخطيط ضاع هباء ؟؟ وان كل مجهوداتنا ودعمنا الذي وفرناه حتى نوصلها الى كرسي الرئاسة قد ذهب ادراج الرياح ؟؟ اصبح صوته كالفحيح ... تسارعت انفاسه وتلون وجهه بلون احمر قان ...
قاطعه البروفسير احمد نجيب بحدّة وثقة من يعرف مكانته .. مستر عزرا .. ما يحدث لم يكن متوقعاً ابداً ... لم اضع عصيانها في حسباني ... ظننت انها ستكون طيعة تحت يدي فاشكلها كما اشاء ... اعتمدت على قلة خبرتها وخوفها الذين سيجعلانها تحت رحمتي ... لكنها اظهرت قوة وعناد ادهشاني ... ثم اضاف ساهماً : او ربما كان يجي ان اتوقع هذا ؟؟؟ فهي ابنة ابيها ... سرعان ما استعاد السيطرة على صوته : لم استطع الطعن في اختيارها للاشخاص الذين ترغبهم ... كل منهم علم على راسه نار في مجال عمله .. أي محاولة رفض من جانبي ستكون غريبة ومستهجنة وقد تثير الشكوك ... انها طفلة كما ذكرت انت ... والاطفال يحبون الالعاب الجديدة يستميتون في التمسك بها والمحافظة عليها ... لكنهم سرعان ما يشعرون بالملل والتعب فيهملون اللعبة ويغمضون اعينهم طلبا للنوم ... سنجلها تلهو قليلاً بالحكم والسلطة ... وعندما تتعب وتملّ سنكون جاهزين ... وعندما تغمض عيناها .. سننقض ونرجع الامور الى نصابها ... الامر فقط يحتاج الى قليل من الصبر ... وكثير من الحكمة ...
نفث ريتشارد عزرا دخان سيجاره الكوبي بعصبية وهو يتمتم ... حسناً .. سوف ننتظر ونرى ... فقط آمل ان لا يطول انتظارنا طويلاً ...





المشهد الثامن ... والأخير ...
الخرطوم العاصمة عام 2022م
القصر الجمهوري – قاعة الاجتماعات الكبرى .

كانت القاعة تعجّ بالحضور ... رجال ونساء .. وشباب .. تبدو عليهم سيماء الاحترام ... بعضهم جلس صامتاً وهو يقرا اوراق بين يديه .. بينما اندمج البعض الآخر في نقاشات هامسة ..
فتح باب في آخر القاعة وعم الصمت عندما ظهرت في المدخل الدكتورة نادين بطلتها البهية وعلى وجهها ابتسامة ودودة .. مرحبة ... مشرقة ...حيت الحضور ثم جلست بحرص على كرسيها وهي تحاول ان تجد وضعاً مريحاً يناسب بطنها المنتفخ ... كانت قد وصلت الى شهرها الثامن ولم تعد الملابس الفضفاضة تخفي حملها .. ابتسم الجميع بتعاطف وحب لهذه المراة الرقيقة التي صنعت المعجزات .. تطلعت الى الوجوه ... تفقدت الحاضرين ... سالت عن الغائبين .. ثم بدات حديثها بصوت ملئ بالثقة ..
بسم الله الرحمن الرحيم .. والصلاة والسلام على حبيبنا اشرف الخلق اجمعين ... ارتفعت تمتمات الصلاة على الحبيب المصطفى من جميع الافواه ثم عم الصمت مرة اخرى بانتظار كلمات الرئيسة..
اول شئ يا جماعة احب انوه بانو دة حيكون آخر تقرير أداء احضره معاكم السنة دي واضافت بخجل " نسبة لظروفي الصحية " لكن تاكدوا اني دائما حاكون معاكم ومستعدة اتلقى اتصالاتكم في أي وقت واي مكان ... يلا خلونا نبدا ... اتفضلي يا فتحية ...
بدات الدكتورة فتحية ابو العزايم وزيرة التربية والتعليم حديثها بشكر الرئيسة ثم قدمت تقريرها ... بحمد الله تعالى وتوفيقه ... وبواسطة الدعم الكبير المقدم من وزارة المالية قدرنا السنة دي نفتح 16 مدرسة ابتدائية في مختلف المناطق بالدولة .. تم تجهيزها باحدث الوسائل التعليمية من كمبيوترات ومعامل وكتب .. اضافة لكادر متميز من المعلمين المؤهلين لكل مدرسة ... في المناطق البتعاني من مشاكل عملنا نظام وجبة الافطار المجانية للطلاب المعسرين اضافة لحوافز مالية للطلاب المتفوقين .
بالنسبة للمدارس الخاصة سنينا قانون صارم لانشاء مدارس جديدة ووضعنا حد للمغالاة في اسعارها علماً بأنو تقاريرنا بتاكد عزوف معظم الناس عن المدارس الخاصة بعد ما بقت المدارس الحكومية في مستوى اعلى منها ...
بالنسبة للجامعات اكتفينا بالعدد الكبير الموجود اصلا لكن بذلنا جهد كبير في اننا نطورها .. غيرنا المناهج وطرق التدريس بحيث انو الطالب البيتخرج من الجامعة بيكون ملم بكل الاشياء الدرسها ومستعد ينخرط في العمل مباشرة ... عملنا نظام لتدريب طلبة الجامعات اثناء سنوات الدراسة الاخيرة لقاء اجر رمزي ... بعدها كل جهة بتستقطب الطلاب المتميزين للعمل عندها بعد التخرج مباشرة .. اعدنا نظام السكن الداخلي لطلاب المناطق البعيدة ووفرنا فيه كل سبل المعيشة المريحة للطالب من وجبات مجانية ومكتبات ومسارح واركان للنقاش ..
الحمد لله خلال الستة سنوات المضت قدرنا نصلح كتير من الدمار الطال بالمؤسسة التعليمية في فترة الحكم السابق ... وبدينا برنامج مكثف لبناء الطالب السوداني نفسه وتخليصه من الافكار الفاسدة المزروعة في راسه ... بدينا نخت لبنة انسان سوداني جديد .. واثق من قدراته ومؤهل للقيادة .
الحماسة على الوجوه اشعرت الدكتورة فتحية بفرح غامر لانجازات وزارتها فالقت التحية وانهت تقريرها ليعقبها الدكتور صلاح جادين .. وزير الصحة ..
بسم الله ابدا ... والحمد لله اقول باننا خلال السنة الماضية قمنا بافتتاح 22 مركز صحي في مدن السودان من شماله لجنوبه وبكدة يبقى عدد المراكز الصحية التم انشاءها منذ تولينا الحكم هو 134 مركز صحي في كل المدن والقري الكانت في اشد الحوجة ليها ... في كل مركز عملنا وحدة غسيل كلى متطورة وركزنا على وحدة علاج لامراض السرطان في مناطق الشمال لانه منتشر هناك اكتر من أي مكان تاني .. بينما ركزنا على وحدة علاج الحميات وامراض الكبد الوبائية في المناطق الجنوبية ... اهم انجاز في الفترة دي هو اتاحة مجانية العلاج لكل مواطن ابتداء من الكشف وانتهاء بصرف الدواء ... حددنا اسعار الاطباء في العيادات الخاصة منعا لاستغلال المواطن ... عملنا وحدات طوارئ متحركة في كل الطرق الرئيسية .. وانشانا وحدة متكاملة من الاسعاف الطائر لحوادث الطرق والحالات المستعجلة ..
بالنسبة للمستشفيات القديمة .. أي مستشفى انتهى عمرها الافتراضي هديناها وبينينا بدلها مستشفى جديد ... استوردنا احدث الاجهزة والمعدات وكمان الفترة دي شهدت عودة اكبر عدد من الاطباء المهاجرين برة السودان بعد ما بقت مميزاتهم هنا احسن من أي بلد تاني ..
وهكذا توالت التقارير التي تؤكد الطفرة المادية والحضارية في السودان ... طفرة باتت واضحة من الطرق والجسور والانفاق ... من الشوارع والبيوت والمباني ... طفرة واضحة في ملامح افراد الشعب ... فقد حل الفرح مكان البؤس ... والرضا مكان القنوط ... اتت الراحة بعد التعب ... وصار الانسان ... انسان ...


نهاية مفرطة في التفاؤل مغرقة في الخيال ؟؟ اعترف باني احب النهايات السعيدة .. ربما تعويضاً عن العيش في واقع تعيس ؟؟ او ربما هذا حلمي لوطني ... ما زال الحلم متاحاً اليس كذلك ؟؟!! ما زال مجاني وحر لا يخضع لقانون الجباية ولم تاسره قضبان السجان ؟؟!! يبقى خلوني احلم ...


خلوني احلم بوطن زاهي وجميل .. عيونه نيل .. وبسمته فيها السمار سنة وفرض ..
خلوني احلم بوطن .. فيه القطاطي بقت قصور .. فيه الشوارع مطلية بموية الدهب .. الميادين روضة غناء... والحواري قصيدة ناعمة .. خلوني احلم بوطن .. فيه العلم اصبح بلاش .. فيه الحلم اصبح متاح .. فيه الامل سكن البيوت .. فيه الالم رحل انتهى ..


خلوني احلم بوطن .. فيه الصغار ما بتعرف الآم الكبار .. وفيه الكبار زي الجهال .. نقية طاهرة ... ما بتعرف اسرار الودار .. خلوني احلم بوطن .. فيه السجون بقت متاحف .. وفي كل بيت .. بدل القبول والشواهد .. نلقى بسمة .. نلقى ضحكة .. نلقى بهجة .. اتوهطت عشم النفوس .. وطردت احزان الغلابة .. خلوني احلم بوطن .. فيه القروش حاجة تافهة .. زي الملح لازم تكون في كل شئ موجودة قاعدة .. لكن كمان .. ما بيها بنقيّم بشر ... ولا فيها بيموت البشر ...

خلوني احلم بوطن .. فيه الصلاة عبادة خالصة للاله .. ما فيها شبهة انتماء لجماعة ضالة .. ولا امام ناسي الكتاب ... ناسي الحديث .. كل همه انو يعكس صورة زايفة .. صورة لامعة .. تستر العفن الوراههو .. وتدس بلاهو من الخلوق .. خلوني احلم بوطن .. فيه الحلال طرد الحرام .. فيه اللسان ادمن اهازيج الكلام .. فيه العيون نست الدموع .. فيه التعب مات انتحر .. فيه الهواجس سافرت .. بدون رجوع .. خلوني احلم .. ولسة باحلم .. وبرضه حاحلم ..